منافذ الرحمة .

لم تكن العناية بضيوف الرحمن وتيسير سبل راحتهم بالأمر المستحدث في هذا العهد الزاهر، بل هو نهج متأصل في ضمير هذه البلاد المباركة منذ بواكير تأسيس الدولة السعودية. ففي كل موسم حج، تتناسخ صور العطاء وتتوارث الأجيال رسالة الخدمة بكل إخلاص وإيمان. تتراءى لي ذكريات والدي -رحمه الله- وهو يحدثنا عن أيامه في منفذ حالة عمار، حيث قاد قوات الحج والمواسم لعدة سنوات اضافة لعمله مديراً لشرطة (منطقة ) القربات ، وذلك في اواخر السبعينات الميلادية. في زمن كانت فيه الإمكانات بسيطة، لكن العزيمة كانت جبالاً شامخة. كان الرجال يعملون في خيام متواضعة تحت وهج الشمس وزمهرير الليل، ينسقون كالجسد الواحد لاستقبال موجات الحجيج المتلاحقة. وكان رحمه الله يغيب عنا كغيره من الاباء والاخوة لعدة اشهر من كل عام من اجل هذه الغاية العظيمة وكان التواصل معه يتم عبر الرسائل البريدية أو السنترال الحكومي في بعض الاحيان . ولكم كانت عيناه تلمعان حين يعود وهو يروي لنا كيف كانوا يتفانون في خدمة الضيوف، وكيف كانت المشقات تذوب في بحر من الرضا عندما يرون الحجاج يصلون إلى الديار المقدسة بأمان. لقد تغير الزمان وتطورت الوسائل، لكن الروح بقيت كما هي - روح الإيثار والتفاني. فها هي حكومتنا الرشيدة تواصل مسيرة العطاء بخطى ثابتة، تجعل من كل منفذ بوابة للرحمة، ومن كل موسم حج قصة جديدة من قصص التميز. لقد حولت منفذ حالة عمار إلى مدينة متكاملة الخدمات، تشارك فيها عشرات الجهات بانسجام نادر، تعمل على مدار الساعة لتكون أول محطات الضيوف محطة راحة وطمأنينة. ما أجمل أن نرى هذا التكامل بين إرث الماضي الوضاء ومستقبلنا الزاهر! ففي الوقت الذي نحافظ فيه على قيمنا الأصيلة في خدمة الحجيج، نرى رؤية 2030 تترجم هذه القيم إلى مشاريع تنموية متطورة. إنها مسيرة لا تعرف التوقف، تبدأ بالعزيمة الصادقة وتتوج بالإنجازات العظيمة، تماماً كما بدأها الآباء والأجداد، يواصلها الأبناء بكل فخر واعتزاز. فلكم نفتخر بهذا الوطن الغالي الذي جعل من خدمة الحجاج شرفاً يتنافس عليه، ومن تيسير سبلهم عبادة يتقرب بها. إنها السعودية، قلب العالم الإسلامي النابض، التي لا تألو جهداً في راحة ضيوف الرحمن، تاركةً في كل موسم بصمة إنسانية تذكرنا بأن الخدمة هنا ليست عملاً فحسب، بل هي رسالة إيمان ووفاء وشرف وأي شرف .