أرض الأحلام.

المطلّع على تاريخ الحضارات في العصور القديمة والوسطى بإمعان وتأمل يرى بشكل واضح عوامل بنائها ومرتكزاتها، بغض النظر عن النهايات التي أوصلت بعضها إلى حضيض الإفلاس والانهيار، والأمر سيّان في العصر الحديث وما آلت إليه بعض الدول التي كانت تنشد النمو والازدهار والتقدم، ولكن لظروف ومتغيرات عميقة في قوامها كان الفشل عنوانها الرئيس. فالحياة الاقتصادية المنتعشة، والموارد الطبيعية الوافرة، ليست السبيل الأوحد لبقاء دولة ما قوية إلى أمد بعيد، لارتباط هذين العاملين ارتباطًا وثيقًا بالعالم الخارجي، إن اهتز اقتصاد العالم لابد أن يرتجف اقتصادها، وإن جفّت أراضيها بعامل طبيعي رفعت أيادي الإفلاس، وهذا ما تتجرعه حاليًا دول كثيرة في قارة إفريقيا بسبب حروب لا ينطفئ فتيلها. لذا.. فإن عوامل قوة أي دولة، هي بفكرها، برؤيتها، بخططها المدروسة ليست تلك المكتوبة على ورق، بل على أرض الواقع، قوة الدول تلك تكمن في فهم واقع ماضيها وعوامله، وقراءة توهّج حاضرها ومكانته، واستقراء مُنطلقات مستقبلها ونجاحاته، حتى تتمكّن بثقة من صناعة قوة عظمى لا ترتكز في شموليتها على عامل أو مرتكز واحد وحسب، بل متركزات ثابتة تستمد صمودها من فكر متطوّر، متجدد، متطلّع، منطلق، مُندفع نحو الأمام رغم كل العثرات، حتى تصل إلى رؤية دقيقة ومستدامة تحقق مبتغاه ورضاه، وتكتب نجاحه. وبالنظر إلى السعودية في عصرها الحديث، يرى أن الحضارة بمنظورها العصري يتجلى بوضوح في رؤية 2030 التي استطاعت بلا شكّ أن تشكّل وجها مغايرًا للمملكة عمّا كان قبلها، شكلًا لا ينفصل في جذوره عن عهدها السابق، إنما هو امتداد راسخ لثوابتها، ومبادئها ونهجها، ولكنه مغاير في رغبتها وطموحها نحو خلق عالم حديث لمكامن قوتها، وذلك على جوانب عديدة، في الاقتصاد، الثقافة، الصناعة، التكنولوجيا الصناعية والحيوية، السياحة، الترفيه، البيئة واستدامتها، البحث والابتكار، التعليم، وهنا أستطيع القول بفخر، أن بلادي حباها الله بقادة حكماء، يفكّرون بأناة، يرسمون من الطموح واقعاً، ومن الحلم مستقبلاً، وأتذكر هنا ما قاله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - معبرًا عن التقدم الملحوظ الذي تعيشه بلادنا على مستويات عديدة، وذلك في معرِض حديثه بحفل صحيفة الرياض بمناسبة مرور 25 عاماً على إنشائها (حين أتحدث من الناحية التطورية، فإننا نجد أشياء كانت أحلامًا ولكنها تحوّلت إلى حقائق) والواردة ضمن خطبه المنشورة في كتاب دارة الملك عبدالعزيز الصادر عام 1439هـ، ليأتي ولي عهدنا صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود - حفظه الله - بعده ويقول (لن ننظر إلى ما قد فقدناه أو نفقده، بالأمس أو اليوم، بل علينا أن نتوجه دومًا إلى الأمام)، بهذه الرؤى الخلّاقة ستصبح بلادنا بحول الله (أرض الأحلام).