متذكرا شغفه بالشعر واسئلة البدايات...

العراقي كريم زهير يحكي قصة ميلاد روايته الأولى.

قال له صديق يعيش بألمانيا فجأة “ اعجبتني الرواية متى ترسلها للناشر” حينما جاء كريم صوت من بعيد، “،كان سؤالا يقول كريم:” مباغتا، صلبا، غامضا وغير مفهوم لي في ذلك الوقت، طباعة؟ حين عاد صديقه وطرح عليه فكرة النشر. “ قال إنه سوف يتكفل بدفع  تكلفة الاصدار. في هذه الحالة كان قد قدم لي نوعين من الإغراء، ان يكون لي كتاب، وأن يتحمل هوالتكلفة”، يستطرد زهير وانا ادون ما يقوله : “ دخلتُ منطقة أخرى، الرواية. وجدت نفسي في عام 2008 اكتب نصا طويلا مرهقا،لم افكر من قبل بطباعة كتاب، لا شعر ولا رواية ولا أي شيء،  لقد سألت نفسي فيما بعد: كيف لشخص يشتغل في الكتابة ولا يفكر بنشر كتاب؟ الروائي الذي يشار الى تجربته القصصية والروائية اليوم بالبنان صار حاضرا في المشهد السردي العربي،غير انه هنا يبوح،كمن يتذكر ولا ينسى لسعة ودفء الشعر معا،واحلام لحظاته الأولى،في ظلال نخيل العراق،وجبانات طفولته الشعرية، المروية بأغرفة الشفق، وبشيء من الحميمية يتحدث عن بداياته،وحول صدور مختارات شعرية له عن الهيئة المصرية للكتاب، ضمت شذرات من اعماله،وحول ما اذا كانت نصوصا جديدة ام منتخبات لأعمال سابقة اخبرني ،ان من الصعب عليَ” تحديد الوقت الذي بدأت فيه الكتابة” “  هناك اشارات تختفي وتظهر في الضباب، لا يمكن الاعتماد عليها اذا توخيت الدقة، لكني اتذكر العام الذي نشرت فيه شيئا( افترضته في ذلك الوقت شعرا) على صفحات جريدة اسبوعية غير رسمية، اقصد أنها خارج التصنيف الحكومي، اصدار خفيف لا يقترب من حساسية الخطاب السياسي ولايخوض في القضايا الكبرى، لكنه في الوقت نفسه يكسر الصرامة التي في لغة وكتابات الصحف الحكومية،” يتابع “ لا توجد لدي فكرة دقيقة عن حدود البدايات، لقد بدأت في يوم ما، وما كنت أظنه شعرا لم يكن كذلك بالتأكيد، محتفلا بنفسي رغم ذلك على النحو الذي ابدو فيه أمام المرآة ممسكا بجمرة الإبداع.” ويتوقف كريم امام ما يطلق عليها” اوهاما” حيث “  ادارة الصحيفة كانت تخصص بعض الصفحات لاستقبال تلك الاوهام الصغيرة التي يرسلها مراهقون يظهرون بكامل الثقة والجدية والحماسة لقول شيء، حصل ذلك قبل اربعين عاما، ربما أكثر، “ في أثناء ذلك واصل كريم زهير” ممارسة الوهم، تحيط بي “ مجموعة من الواهمين الصغار”  الذين امتلأت افواههم بالكلمات الكبيرة، نقرأ لبعض، نمتدح النصوص كما لو أننا قبضنا بالفعل على سر الشعر، شعلته في ايادينا، بل في قلوبنا،” وبشيء من جمال التجربة وحماس المغامرة يبوح كريم زهير  الذي لم يكن يستشعر  افق ما سيأتي او ينذر بإغترابات قادمة عن الوطن “ ننتقد كذلك كأننا غواصون عرفوا مباهج الأعماق وانكشفت لهم التضاريس. ثم غادرت العراق،انقطعت عن الكتابة وعدت اليها، حدث ذلك لمرات عديدة بسبب السفر الدائم، بسبب البحث عن فرص للعيش والتي سيحصل الغريب فيها على بعض الطمأنينة،” انها اذا اسئلة الهجرة،حيث المصائر تاخذ بأصحابها الى مآلات وتساؤلات في ظهر الغيب،لتأخذ كريم زهير كغيره من الادباء والكتاب العراقيين الى محطات ومواقف تفتح امامه افق التجريب و التجربة على محاضن و رحبات ومضائق شتى، فهل كان خيار الكتابة مستقرا له في حله و ترحاله ؟  “ كان التوقف عن الكتابة معادلا للبقاء، ومقاومة للموت جوعا او ضياعا، لكن الشعر كان رفيقا دائما، لم يغادرني قط، شعرت في بعض الأحيان أني أكتب شعرا حقا فتتضخم أناي من الداخل، واحيانا تنتابني نوعا من الريبة فأرى الأشياء تسيل كما لو أنها اطياف او خيالات، وأوهام،  وكان السؤال المثير للقلق دائما، هل ما أكتبه شعرا، ام انه مجرد كلمات؟ ماهو الشعر، واين حدوده، وكيف اصل للضفاف؟”  انبثقت فوهة الأسئلة وتراءى له الوجود باوجه وفلسفات عدة،بين مساءلة الجواني،وبين ابتكار خلاصات عبر الكتابة وانزياح الدلالة نحو المنافي الى استعارات اللغة المشبعة باوطان بديلة لعلها كالنديم ترافق المسافر بلا دليل سوى الحلم بمستقر العيش،والكتابة التي توغل في متعة لحظاتها بقدر ما تؤنس وتشفي قليلا من التفجعات، كريم يجد نفسه” وعلى الرغم من ذلك  محتفظا بعدد كبير من تلك الأشياء التي يسميها كما يقول” نصوصا شعرية”، يستدعي الأسئلة وينفي معا في اجابته، ايضا،ليجترح المعنى في براحات عزلته المخضرة، اذ من “ الغريب أني لم افكر بنشر كتاب، لماذا؟ لا أعرف، ربما لعدم ثقتي بما أكتب، او بسبب ارتيابي من جدوى منطقة الكتابة التي اقف عليها، وفي اللحظة التي فكرت فيها أن ارسل هذه النصوص إلى ناشر.”. “ ارسلت المخطوط الى دار فضاءات الاردنية، قلت لهم: هذه روايتي الاولى، بعد اسبوعين جاءني الرد، وافقوا على المخطوط، وهو نص جيد كما قالوا،عام2010 صدرت (قلب اللقلق) كان الحدث اكبر مما اتخيل، غامضا، غير قابل للتصديق، اسمي على غلاف كتاب انيق، رواية من 170 صفحة،لم اصدق حينما ذهبنا انا وابنتي الصغيرة الى مكتب البريد القريب من منزلي، استلمت 200 نسخة، كارتون حملته كما لو أنه ريشة، فيما بعد وصلتني ردود افعال جيدة من العراق ومن أماكن اخرى، كتب بعض الاشخاص عن الرواية،مثل هذه الاشياء وضعتني في تكليف جديد، المضحك أن البعض اطلقوا عليّ صفة روائي، ياالله،ول!! روائي مرة واحدة، هكذا فتح لي هذا العمل مسارا آخر، حاولت أن اصدق بصفة “روائي”، انشغلت بكتابة رواية  أخرى، فازت بجائزة، فتراكم الشعور بالتصديق لدي، ثم فجأة وجدت نفسي اكتب القصة القصيرة، شيء غريب، غريب جدا لأن معظم كتاب الرواية بدأوا بالقصة القصيرة، اما انا فبدأت بالعكس، المجموعة القصصية وصلت الى القائمة الطويلة لجائزة الملتقى بدورتها الثانية، وحصل الكتاب على اهتمام واسع من القراء والاصدقاء، لكن رغبتي بإصدار كتاب شعري لم تفارقني، في كل عام أقول سوف أفعلها هذه المرة، لكني أصدر كتابا سرديا، رواية او مجموعة قصصية حتى تراكمت الاصدارات، ثم قلت: خلاص، سوف اترك أمر الشعر إلى الصدفة، لكني لن اتنازل عن طباعة كتاب واحد، واحد فقط، هو الاول والآخر.  أجرى معي صديق يعمل في مجلة الشارقة حوارا، أحد الاسئلة يتعلق بالشعر، بإصدار كتاب، قلت لا أعرف، ربما لأن الناشرين اداروا ظهرهم للشعر، او أن لعنة ما هي المسؤولة، هي التي تضع جدارا أمام رغبتي بإصدار كتاب شعري،  بعد نشر الحوار، كتب لي الصديق الشاعر سمير درويش، قال: ارسل لي كتابك الشعري: جمعت نصوصا كتبتها خلال عشر سنوات، اعتبرت الأمر محاولة أولى وأخيرة، سيكون لي كتاب شعري، فرحت كما لو أني نشرت قصيدتي الاولى في جريدة الراصد قبل عقود. *اديب وكاتب يمني