في عالم الفن التشكيلي، حيث تمتزج الأحاسيس والألوان لتشكل لوحات تتحدث بلغة الجمال، يبرز الفنان التشكيلي فهد بن مكي الحارثي كأحد الأسماء التي نجحت في تحويل الأفكار والمشاعر إلى أعمال فنية متميزة، نشأ الحارثي متأثرًا ببيئة شبه الجزيرة العربية وهويتها الأصيلة، مما انعكس جليًا في موضوعات لوحاته التي تتناول الخيل، رمز القوة والأصالة والخير، والكتابات العربية التي تزين أعماله بروح الخط العربي الأصيل، يجسد الحارثي في لوحاته علاقة عميقة بين اللون والكلمة، حيث تتناغم الألوان الهادئة والتكوينات اللونية المتماهية بسلاسة مع الخطوط والحروف العربية، لوحاته ليست فقط أعمال فنية بصرية، بل هي تجارب حسية تتحدث إلى المشاهد عن الأصالة والجمال والتراث. في هذا الحوار، سنستكشف مع الفنان فهد بن مكي الحارثي عالمه الفني، ونسبر أغوار إبداعاته التي تتجاوز الألوان إلى ملامسة القلوب. البداية مع عالم الألوان كانت انطلاقة الحارثي مع الفن منذ نعومة أظفاره، حيث برزت موهبته لأول مرة في المرحلة الابتدائية من خلال مادة التربية الفنية، التي اكتشفته وأشعلت شغفه بالألوان. يقول الحارثي: “لعب والدَي ومعلمَي دورًا كبيرًا في تشجيعي على تنمية هذه الموهبة وتطويرها، مما ساهم في رسم طريقي في عالم الفن”. يستخدم الحارثي اللون كأداة للتعبير الروحي، وتمتاز رسوماته بهدوء الألوان وتمازجها والتكوينات اللونية المتماهية تظهر بشكل واضح، يختار الحارثي ألوانه بطريقة فطرية دون تخطيط مسبق، مؤكدًا: “في السابق كنت أخطط لخياراتي اللونية، أما الآن فأشعر أن الألوان تختارني. أسكب الألوان كما تحرّكها عاطفتي، لتصبح اللوحة تجسيدًا لما يختلج في داخلي من مشاعر، ويمكنني القول إنني في المرحلة الحالية أصبحت أحس أن اللون يتملّكني أكثر مما أتملّكه”. الخيل والتراث والخط إيقاع الحياة في بيئة الجزيرة يثري لوحات الحارثي، مما يدل على ارتباطه العميق بالهوية السعودية وبيئة شبه الجزيرة العربية، لا سيما وأن الأرض السعودية مصدر إلهام دائم، وفيها على سبيل المثال الخيل الذي يعدّ رمزًا للأصالة. عن هذا الارتباط العميق يقول الحارثي: “الفنان ابن بيئته، والتأثر بالبيئة جزء لا يتجزأ من رؤيته الفنية. إرثنا السعودي غنيٌ بالأصالة والعمق، ويجعل من الطبيعي أن ينقل الفنان كل هذا عبر ألوانه”. تتناغم الروح مع الحرف الخط العربي مما يجعله يحتل مكانة محورية في أعمال الحارثي، فهو يرى فيه بعداً ثقافيًا وروحيًا يضيف بُعدًا جديدًا للوحات، ورغم أنه ليس خطاطًا، إلا انه يستخدم الحرف العربي كعنصر تجريدي، ويستوحي من جمالياته في لوحاته لتصير أكثر من مجرد عمل بصري، فمن وجهة نظره إن الحرف العربي يضفي على اللوحة طابعًا روحيًا وأصيلاً يعبر عن عمق الثقافة، يقول الحارثي: “أميل إلى تجريد الحرف العربي كمفهوم واستخدامه كعنصر أساسي داخل الكثير من لوحاتي، مؤخرًا اتجهت إلى التعبير اللوني اللارمزي في بعض الأعمال كتجربة جديدة لازالت تحت التجريب والتطوير”. بين الأصالة والحداثة يوازن الحارثي بين الأصالة والحداثة بالرغم من تأثره بتيارات فنية متنوعة، فهو يحافظ الحارثي على خصوصية هويته الفنية، ويبتعد عن التقليد والمحاكاة، يقول: “التجربة الشخصية هي ما تصنع هوية الفنان، لذا أحرص على أن أظل وفيًا لأسلوبي الخاص الذي تطور مع الزمن، دون أن أغفل عن الاطلاع على تجارب الآخرين بهدف إثراء رؤيتي، لا لمحاكاتهم”، فالفن كتجربة ذاتية وشاعرية يعتبر الحارثي لوحاته بمثابة قصائد مرسومة، تنطق بما يعجز عن البوح به بالكلمات، يوضح الحارثي: “كل لوحة هي تجربة حسية فريدة، تعبر عن لحظة معينة، ولا يوجد لدي عمل مفضل، فلكل لوحة مشاعرها التي تحملها وتعبر عنها”. يرى الحارثي أن الموهبة هي الأساس في الفن، لكنها بحاجة إلى الصقل من خلال الدراسة والممارسة، مؤكداً: “الفن التشكيلي يعتمد على موهبة فطرية، ولا بد من تطويرها سواء من خلال الدراسة أو بالاستمرار في التجربة”، ويجد الحارثي في ألوان الأكريليك وسيلة مميزة للتعبير، خاصةً بفضل خصائصها التي تتيح تنوعًا لونيّاً سريع الجفاف، مؤكدًا: “استخدام الأكريليك يوفر لي مرونة وتنوعاً في التنفيذ، مما يتناسب مع رؤية كل لوحة”. ثقافــة الفــن يحرص الحارثي على تعزيز ثقافة الفن التشكيلي في المجتمع، ويرى في الفن انعكاسًا لهوية المجتمع السعودي. يقول: “أعمل على نشر ثقافة الفن التشكيلي وتقديمه كمرآة تعكس التراث السعودي العريق وعمق الهوية”، كما يحرص على تنظيم ورش العمل، حيث يسعى إلى نقل خبراته للمشاركين، ويقول: “أحاول إقامة دورات تدريبية لإكساب المهارات ونقل الخبرات للمواهب الجديدة، فالفن رسالة يجب مشاركتها وتطويرها باستمرار” وحول آماله للمستقبل وتطلعاته الإبداعية؛ يخطط الحارثي لإنشاء مرسم متطور يكون حاضنة للمواهب الناشئة، مؤكدًا: “أسعى لتأسيس مرسم خاص، يوفر بيئة مناسبة للفنانين الناشئين، حيث نلتقي لتبادل الخبرات، بما يثري الساحة التشكيلية المحلية ويعزز من حضور الفن السعودي”. بهذا الطموح يواصل الحارثي رحلته الفنية، محافظاً على أصالة تراثه السعودي، ومترجمًا أحلامه وآماله إلى لوحات تلامس القلوب.