(القارئ الماهر وأمين المكتبة)
نحن فيها صامتون كلّنا صامتون صامتون جِدّاً جِدّ اً حتى كأنَّا قد تركنا ألسنتنا خارج بابِها أو كأنَّ أفواهنا مِن الأصلِ بلا ألسنة نجلسُ جِل سة تماثيل تحت سقْفِها تحت سقفِ المكتبةِ العامَّةِ الخاصَّة فهي عامَّةٌ للطُلابِ ، وهي تتْبعُ المدرسة الطلابُ هم الطلابُ على ضجيجِهم في السّاحات ولكنَّ الصمت هو ضجيجُهم المُفضَّلُ في المكتبة كُلُّ طالبٍ صامتٌ ، وكُلُّ كتابٍ مفتوحٍ يتحدَّث وحين دقَّ الجرسُ جاءني طالبٌ ممتعِضٌ في الفسحة في الفسحةٍ الثانيةِ تحديداً قال وأنا خارجٌ مِن المكتبةِ رآني أحدُ المارة قال لي وأنا لم أعرفه مِنْقبْلُ ، ولن أعرفهُ مِنْ بعْد..! قال كم هو ممتعٌ أن تتسلَّى أن تقتلَ الوقتَ بين جثامين الأوراق بين جثامينِ الكُتُبِ المُسَنَّدة البكماء قال لي ذلك وهو لا يعلمُ أنَّني لمْ أخرج من غرفةٍ محاطةٍ بالجدران بل خرجتُ مِنْ غابةٍ يضيعُ هو فيها لذلك سألتُه عن مسألةِ الكُحل وعن شُبهةِ الآكلِ والمأكولِ فقال لم أذهب إلى المطعمِ بَعْد وقد ولَّى زمنُ الكحلِ والمكحلة فهما لا يُباعانِ في متاجرِ الكماليات وقلت قبل قليل كنتُ عند ابن زيدون في الأندلس أنشدني نونيَّتَهُ العصماء قال مَنْ لا أعرفُهُ أيضاً إنَّ الأموات لا يتحدثون فلا تهذي قلتُ سأبقى في مكتبتي كي أهذيَ كالفاقدِ وعيَهُ أو كالمجنون أهذي مِنْ عينيَّ مِنْ ذهني الطاوي حِقَبَ الأكوان ولتبقى عني أنتَ بعيدا كي تتحدثَ أطولَ مما ترجوه كي تأخذَ مجدَك في تسليةٍ تألفُها دوماً وتكررها لا تسأمُ ما شئتَ مع العقلاء .. قال الطالبُ ذلك لي ، ما أحلى ، ما أروعَ ما حاورَ ، ما أجمل ما قال وأقولُ لنفسي لو سُئِلَ المذكورُ عن ابنِ الخبازِ البلدي هل يعرفُهُ ، أو هل يعرفُ مَنْ عالجَ نقصاً في استقراءِ أرسطو أو يعرفُ كيف يفنِّدُ أسطورةَ قَتْلِ المُتنبي المشهورة أو كيف يُعيدُ إلى نيوتنَ تفاحتَهُ ويُعيدُ الحقَّ إلى أهلِ الحقِّ الأصليين هو يأكلُ حلوى أُمِّ عليٍّ لكن هل يعرفُ قصَّتَها أو قصةَ برنارَ مع الشعرِ/النثرِ، يُعَمِّمُها المبهورون أو كيف يُخالفُ قصَّتَها المعتزُّون بإيقاعِ رؤاهم تتنقَّلُ موسيقى أحرفِهم مِنْ غيرِ شروطٍ بين الكلمات لكنَّ تَنقُّلَها مُتَّسِقٌ في إيقاعِ المعنى والألفاظ هل يعرفُ ذاك المذكورُ مَن ابنُ الكاتب وكم أعشى مَرَّ عليَّ ومنْ ألَّفَ صُبْحَ الأعشى هل يعرف ديوانَ الشوقياتِ المجهولة والعلَّةَ يَحسبُها الحُسباني معلولة وقلت لنفسي يكفي يكفي يكفي ماردَّ الطالبُ مِنْ رَدٍّ ساحق هذا الطالبُ سوف يكونُ المذكورَ بعلمٍ في الجيل الحالي ولدى جيل الزمن اللاحق وأقول لنفسي هذا الجيلُ الحالي قارئ لا تعبأ بالحمقى يتَّهمون الجيلَ بكُرْهِ الحرف هذا الجيلُ سيُنتجُ معنى المعنى في معنىً كان وسيُخرجُ مِنْ كامِنِ طاقتِهِ ما يُبهجُ كُلَّ البهجةِ ما يسعدُ فيهِ الإنسان.