بينما لا تزال المواجهات العسكرية مستمرة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، تتزايد المأساة في قطاع غزة المُحاصر مع تكثيف إسرائيل لقصفها العنيف على القطاع، وبالتوازي مع فشل جهود التهدئة ووقف إطلاق النار فإن المساعدات الإنسانية التي دخلت إلى القطاع تظل أقل بكثير من المطلوب ويستمر قطع المياه والكهرباء عن المدنيين الأبرياء هناك، وتبقى ثمة معركة أخرى تدور رحاها بعيدًا عن منطقة الأحداث المشتعلة، إنها معركة بين مؤيدي القضية الفلسطينية المناصرين للشعب الباحث عن أبسط حقوقه، وبين داعمي الاحتلال المنخرطين في تأييده بغض النظر عن جرائمه البشعة، لقد كان من اللافت مع بدء عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها حركة حماس ضد الاحتلال الإسرائيلي، أن ثمة صراع دبلوماسي وسياسي قد بدأ أيضا على الساحة الدولية؛ حيث ظهرت الدول الغربية متحالفة ومتماسكة مع موقف إسرائيل ومنحازة بشكل كامل مع روايتها الرسمية وقد تجلى ذلك في تصريحات المسؤولين الغربيين وما رددته معظم وسائل الإعلام لديهم، ولكن في نفس الوقت كانت هناك أصوات شاردة عن هذا الجمع تعبّر عن رأيها باستقلالية وغير متماشية مع هذا الانحياز، ففي وسط موجة الدعم لإسرائيل كانت هناك تظاهرات شعبية في شوارع مدن عديدة داعمة للقضية الفلسطينية ومنددة بجرائم الحرب التي تمارسها إسرائيل في غزة، ومواقف من بعض المسؤولين والقادة من مختلف دول العالم لمناصرة الفلسطينيين الذين حاولت إسرائيل خنق أصواتهم وطمث عدالة قضيتهم. أصوات أوروبية نزيهة منذ اللحظة الأولى لاحتدام المواجهات العسكرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، تبارت دول الاتحاد الأوروبي الـ27 على إعلان دعمها الكامل للاحتلال الإسرائيلي وإدانة هجوم حماس، وكان ردها موحدًا إزاء التطورات الدرامية المتسارعة في حرب غزة بأنه “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”، متناسين كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل ولا تزال ترتكبها بحق الفلسطينيين، لكن ثمة مفارقة قد حدثت لاحقًا من خلال عدم القدرة على الوقوف صفًا واحدًا في دعم عمليات التهجير القسري لسكان شمال القطاع إلى جنوبه، أو الاتفاق على القطع الكامل لكافة المساعدات الموجهة إلى المنظمات الدولية العاملة في قطاع غزة أو الفلسطينيين بشكل عام، وفي الإطار كانت هناك أصوات أوروبية نزيهة في رؤيتها للأوضاع وتحليلها لما حدث؛ من أبرزها: * النائب الأيرلندي وعضو البرلمان الأوروبي “ميك والاس” اتهم الاتحاد الأوروبي بالتواطؤ مع إسرائيل المتهمة بالإرهاب والفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني، وانتقد الموقف الأوروبي بقوله: “الإرهاب والعنف الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني لا يجلب الأمان والسلام لشعب إسرائيل، فمتى سيتوقف الاتحاد الأوروبي عن دعم الإرهاب الإسرائيلي؟!”، واصفًا الإسرائيليين بأن “أيديهم ملطخة بالدماء”. * عضوة البرلمان الأوروبي كلارا دالي انتقدت السياسة الأوروبية الداعمة لإسرائيل قائلةً: “هذا مقزز، أعطت رئيسة المفوضية الأوروبية لإسرائيل تفويضًا مطلقًا للعنف ضد المدنيين اليائسين المحتجزين في غزة، تحت ادعاء أنه دفاع عن النفس، لكن في الواقع هذا تأييد للمجزرة الوحشية التي لا تغتفر”. * حزب اليسار “فرنسا المتمردة”، وهو أحد أبرز الأحزاب المعارضة في فرنسا، اتخذ موقفًا متوازنًا حيث أرجع سبب هجوم حماس إلى العنف الذي تمارسه إسرائيل، وقال في بيان: “إن الهجوم المسلح لقوات فلسطينية بقيادة حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاحتلال الإسرائيلية في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية”. * المرشح الرئاسي السابق فليب بوتو، وهو زعيم “الحزب الجديد المناهض للرأسمالية” في فرنسا، انتقد الهجوم الإسرائيلي وتساءل عن جدوى دعم بلاده لإسرائيل، قائلا “إن هذا يعني دعم دولة استيطانية دانتها الأمم المتحدة عدة مرات في السابق”. * تقدَّمَ عدد من أعضاء حزب العمال البريطاني في مجالس البلديات باستقالتهم بعد تصريحات زعيم الحزب كير ستارمر المؤيدة لقطع إسرائيل للكهرباء والماء عن سكان غزة. مواقـف إفريقيـة عاقلـة منذ نشأة الكيان الإسرائيلي؛ نظر الأفارقة إلى إسرائيل التي يدعمها الغرب بوصفها قوة احتلال تغتصب أراضي دولة تشابهم في الظروف والأوضاع، لكن مع تصاعد التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء على مدار العقود اللاحقة بدأت بعض التحولات في المواقف تطفو إلى السطح، وبالرغم من ذلك ظلَّ الموقف الإفريقي مغايرًا لنظيره الأوروبي الفجّ في دعمه للاحتلال، لذا وجدنا أصواتًا رسمية داعمة للموقف الفلسطيني، منها على سبيل المثال: * رئيس جنوب أفريقيا “سيريل رامافوزا” أعلن عن دعمه للقضة الفلسطينية، ونشر على حساباته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي وهو يرتدي الكوفية الفلسطينية ويحمل عَلم فلسطين، مع عبارة: “نتعهد بالتضامن مع شعب فلسطين، فلسطين حرة”. * رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي “موسى فقي محمد” الذي دعا “المجتمع الدولي وقوى العالم الرئيسية إلى تحمل مسؤولياتها المتمثلة في إرساء السلام العودة من دون شروط مسبقة إلى طاولة المفاوضات”، لافتًا إلى أن “حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية، خصوصًا تلك المرتبطة بدولة مستقلة وذات سيادة، هو السبب الرئيسي للتوتر الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين”. * حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وهو الحزب الحاكم في جنوب إفريقيا، قال إن أعضائه ارتدوا ملابس سوداء وعليها الكوفية الفلسطينية خلال اجتماعهم الأخير للحزب، وذلك تأكيدًا على دعم الحزب طويل الأمد والثابت للقضية الفلسطينية. داعمون من قارة النضال في القارة اللاتينية المعروفة تاريخيًا بالنضال ضد الظلم ودعم حركات التحرر الوطنية، كانت هناك على مر العقود أصوات عديدة مؤازِرة للفلسطينيين، لا سيّما وأن العديد من الدول اللاتينية كانت من بين أوائل الدول التي اعترفت بدولة فلسطين ودعمت حقوق شعبها في المنظمات الدولية، خلال الأيام الماضية كان لافتًا تزايد الداعمين للموقف الفلسطيني، منها: * الرئيس البرازيلي “لولا دا سيلفا” عبّر عن تضامنه والشعب البرازيلي مع الشعب الفلسطيني في سعيه لاستعادة حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال، كما حثَّ على ضرورة إدخال المساعدات الطبية والإغاثية إلى قطاع غزة، وقال إن بلاده تصف إسرائيل بأنها قوة احتلال. * رئيس بوليفيا السابق “إيفو موراليس” قال إنه يدين كل الأعمال الإمبريالية والاستعمارية للحكومة الصهيونية الإسرائيلية. * رفضت مندوبة كوبا في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، وقوف مندوبي الدول دقيقة صمت على الضحايا اليهود الذين سقطوا في الهولوكست بطلب من المندوب الإسرائيلي، وفي المقابل طلبت من الحضور الوقوف مجددًا ولكن من أجل الضحايا الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي، وهو الأمر الذي قوبل بتصفيق حار ووقوف المندوبين خلال اجتماع لجنة التراث في اليونيسكو. * الرئيس الفنزويلي “نيكولاس مادورو” اتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، كما أكّد على أنّ بلاده في خط المواجهة الأمامي للتضامن مع فلسطين، مشدداً على أنه “لا يمكن أن نظل صامتين في وجه الظلم”، وطالب بإيقاف المذبحة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني. * رئيس كولومبيا “غوستافو بيترو” قال إن “أطفال إسرائيل لن يهنؤوا بالنوم بسلام ما لم يهنأ أقرانهم الفلسطينيين بسلام”، وشدد على أن الحرب لن تحقق شيئًا، ولا بد من اتفاق سلام يحترم الشرعية الدولية وحق الشعبين في العيش الحر، مشيرًا إلى عدة صور قال عنها: “هذه الصور لأطفال فلسطينيين قتلوا على يد الاحتلال غير الشرعي لأراضيهم”، وطالب بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. * نظمت العديد من أحزاب اليسار والنقابات العمالية والمؤسسات المتضامنة مع فلسطين في البرازيل والأرجنتين وتشيلي كوبا وفنزويلا وكولومبيا ونيكاراغوا وبيليز وقفات احتجاجية ومسيرات وأصدروا بيانات للتنديد بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. لوم وانتقاد لإسرائيل تنوّعت مظاهر التأييد للحقوق الفلسطينية وكانت مدعومة بلوم وانتقاد للجانب الإسرائيلي، من أبرزها موقف كوريا الشمالية التي اتهمت إسرائيل بالتسبب في إراقة الدماء في غزة، وألقت وسائل الإعلام الكورية الشمالية باللوم على إسرائيل في اشتعال الوضع والوصول إلى الظرف الراهن، أما في روسيا فقد صرح الرئيس “فلاديمير بوتين” بأن حصار قطاع غزة غير مقبول، واصفًا الدعوات في إسرائيل والولايات المتحدة بفرض حصار على القطاع بأنها تعيد إلى الأذهان حصار لينينغراد من قبل النازيين خلال القرن الماضي، وأكد بوتين على حق الشعب الفلسطيني في إنشاء دولته وعاصمتها القدس الشرقية، ولفت إلى أن القضية الفلسطينية قريبة من قلب كل مسلم وكل شخص في منطقة الشرق الأوسط، وأضاف: “كل ما تفعله إسرائيل منذ عقود، وليس الآن فقط، يُنظر إليه على أنه شكل من أشكال الظلم، وقد وصل إلى درجة لا تصدق”. أما الصين؛ فقد حثت عبر وزارة خارجيتها الأطراف المعنية على التزام الهدوء وإنهاء الأعمال العدائية على الفور لحماية المدنيين، وقال وزير الخارجية “وانج يي” إن القضية الفلسطينية هي لب مشكلة الشرق الأوسط، معتبرًا أن سبب هذه المشكلة هو عدم تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، ومؤكدًا على أن “الصين ليس لديها مصالح خاصة في القضية الفلسطينية، وتقف دائما إلى جانب السلام والإنصاف والعدالة”، ودعا إلى ضرورة إقامة دولة فلسطين المستقلة، من جهتها فقد أعلنت تركيا بشكل رسمي عن ضرورة ضبط النفس بين الفلسطينيين والإسرائيليين وعرضت وساطتها لتهدئة الأوضاع، فيما انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إسرائيل وطالبها بالامتناع عن الأعمال العدائية، أما إيران فقد رحبت منذ اللحظة الأولى بعملية طوفان الأقصى وهنأت حركة حماس على نجاحها، فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية “ناصر کنعاني” إن الهجمات تدل على الثقة بالنفس لدى الفلسطينيين في مواجهة إسرائيل، أما المواقف العربية الرسمية في مجملها دعت إلى الوقوف الكامل وغير المشروط إلى جانب الشعب الفلسطيني مع التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولة مستقلة وذات سيادة، كما دعت الحكومات العربية المجتمع الدولي إلى الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ووقف التصعيد الجاري والانتهاكات السافرة المستمرة التي تمارسها إسرائيل ضده. منشورات داعمة ومظاهرات مؤيدة وسط الدعوات الواسعة لخروج مظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية حول العالم تباينت المواقف والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها كل دولة، وكان من اللافت أن الدول الغربية التي كثيرًا ما كانت تتشدق بحرية التعبير تقف الآن بصرامة في وجه تلك التظاهرات وتتوعد منظميها بالعقاب، حيث قررت السلطات في كل من بريطانيا وألمانيا وفرنسا والمجر حظر المظاهرات المؤيدة لفلسطين، فضلًا عن أن بريطانيا قد هددت كل من يرفع العلم الفلسطيني بشكل خاص بأنه سيتم اعتقاله، وقالت وزارة الداخلية الفرنسية بأنها ستطرد أي أجنبي يقوم بالتظاهر دعمًا لفلسطين على اعتبار أن ذلك يعدّ جريمة معاداة للسامية وتحريض على الإرهاب، أما في الولايات المتحدة فقد ضاعفت وكالات إنفاذ القانون في انتشارها، وقامت أستراليا بفرض إجراءات وتدابير استثنائية خاصة، وبالرغم من كل هذه الإجراءات إلا أن العديد من المدن الغربية والعربية والإسلامية قد شهدت مظاهرات للمطالبة بوقف القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، لعل أبرزها التظاهرات التي خرجت في لندن وباريس وتولوز ونيويورك وواشنطن وأثينا وطهران وبغداد وتونس وعمّان وغيرها. يأتي ذلك فيما لجأ معظم المشاهير إلى منصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن دعمهم سواء لفلسطين أو لإسرائيل، وتفاعل معهم متابعيهم سواء بالتأييد أو الانتقاد، من أبرز الداعمين لفلسطين كانوا: الممثل الأمريكي ميل غيبسون، والممثل ديف تشابيل، وعارضة الأزياء جيجي حديد، والمخرج والممثل الأمريكي مارك روفالو، والملاكم النيوزلندي سوني بيل ويليامز، والمغنيّة السويدية زارا لارسون، والمغني غاريث هويت الذي غني أغنيه رائعة بعنوان “اسمي فلسطين”، ومن لاعبي كرة القدم العالميين أو المحترفين خارج بلادهم: اللاعب الفرنسي فرانك ريبيري وكذلك فعل مواطنه اللاعب جول كوندي، والألماني مسعود أوزيل، والنجم المغربي حكيم زياش ومواطنه نصير مزراوي والجزائري رياض محرز، والمصري محمد صلاح ومواطنه محمد النني، وفيما قامت الأندية الأوروبية بمنع اللاعبين من إعلان دعمهم للقضية الفلسطينية، من خلال فتح تحقيقات معهم ومعاقبتهم بما يصل إلى فسخ عقودهم نهائيًا، كان للجماهير رأيًا آخر، إذ كان من اللافت انتشار دعم جماهير كرة القدم للقضية الفلسطينية في الملاعب حول العالم، حيث برزت أعلام فلسطين في المدرجات فيما تعالت هتافات الجماهير خلال عدد من المباريات التي أجريت حول العالم خلال الأيام القليلة الماضية، وكانت الهتافات داعمة لسكان غزة وإدانة للعدوان الإسرائيلي على القطاع. فخلال المباريات في الدوريات الأوروبية، مثل الدوري الإنجليزي والإسباني وغيرها من الدوريات كشفت المدرجات الجماهيرية عن تعاطفها مع القضية الفلسطينية في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وحرصت الجماهير على رفع العلم الفلسطيني، من أبرز الأمثلة على ذلك ما شهدته مباراة فريقي ريال سوسييداد وريال مايوركا وكذلك مبارة أوساسونا مع غرناطة في إطار منافسات الدوري الإسباني حيث تم رفع أعلام فلسطين في المدرجات بأعداد كبيرة، وفي الدوري الاسكتلندي دأبت جماهير نادي سلتيك على مؤازرة للشعب الفلسطيني في نضاله للتحرر من خلال مواصلة رفع الأعلام الفلسطينية في مباريات النادي التي يخوضها في المسابقات المحلية والأوروبية، كما ظهرت أعلام فلسطين في مدرجات ملعب “آنفيلد”، خلال استضافة ليفربول لجاره إيفرتون في بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز لكرة القدم، في رسالة دعم لسكان غزة تتحدى قرارات رابطة البريميرليغ حول منع رفع أي أعلام تعنى بالصراعات السياسية، كما شهدت العديد من المباريات نفس الدعم لفلسطين خلال الأيام الماضية. موقـف سعـودي ثابـت تعدّ قضية فلسطين بالنسبة للمملكة قضية مركزية، وهي أساسٌ في سياستها الخارجية وعلاقاتها الدولية، وهذا الالتزام ليس وليد الحظة بل هو ممتد منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود (طيّب الله ثراه)، الذي لطالما عبّر الساسة الغربيين وحتى الإسرائيليين عنه، لدرجة أن ديفيد بن غوريون (الذي صار رئيسًا لوزراء إسرائيل لاحقًا) كتب لزوجته رسالة في عام 1939م، قال فيها: “إن ابن سعود يعارض قيام دولة يهودية، ففلسطين بلد عربي وهو لا يستطيع أن يرى شعبًا يحتل قطعة أرض عربية”، وقد استمر هذا النهج السعودي حيال القضية الفلسطينية وصولًا إلى ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، سمو الأمير محمد بن سلمان الذي قال قبل أسابيع ضمن مقابلة شاملة مع كبير المُذيعين في محطة “فوكس نيوز”، إن المملكة تتباحث مع الجميع وعلى رأسهم الأمريكيين للوصول إلى نتائج جيدة لرفع المعاناة عن الفلسطينيين، ولا شك أن التاريخ يحمل من المواقف والوثائق ما يثبت ويؤكد الدور السعودي البارز والمشرّف تجاه القضية الفلسطينية. منذ اللحظات الأولى لتطور الأوضاع، دعت المملكة إلى الوقف الفوري للتصعيد مع ضرورة حماية المدنيين وضبط النفس، ورفضها القاطع لدعوات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من غزة، وإدانتها لاستمرار استهداف المدنيين العزّل هناك، وذكّرت المملكة بتحذيراتها السابقة والمتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته، وأكد الأمير محمد بن سلمان على وقوف المملكة إلى جانب الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه المشروعة في حياة كريمة، وتحقيق آماله وطموحاته، والوصول إلى السلام العادل والدائم، مشددًا على أن السعودية تبذل كل الجهود الممكنة بالتواصل مع جميع الأطراف الدولية والإقليمية لوقف أعمال التصعيد الجاري، وأجرى عددًا من الاتصالات الهاتفية مع القادة؛ منهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان، والرئيسين الفلسطيني محمود عباس والمصري عبد الفتاح السيسي، للتباحث بشأن حالة التصعيد العسكري في غزة ومحيطها وتفاقم الأوضاع في المنطقة، كما شدد الأمير محمد خلال لقائه بوزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” في العاصمة الرياض قبل أيام على رفض المملكة استهداف المدنيين بأي شكل أو تعطيل البنى التحتية والمصالح الحيوية التي تمس حياتهم اليومية، ونوّه سموه خلال أكثر من تصريح خلال الأيام الماضية على أن المملكة تبذل جهودًا حثيثة في التواصل الإقليمي والدولي بهدف التنسيق المشترك لوقف أعمال التصعيد الجاري، لافتًا إلى موقفها الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة. كما شهدت الأيام الماضية استشافة الرياض قمة “الخليج ـ آسيان” التي جمعت بين دول مجلس التعاون الخليجي العربية ودول رابطة آسيان، حيث عُقِدَت القمة برئاسة سمو ولى العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد على الرفض القاطع لاستهداف المدنيين بأي شكل من الأشكال وتحت أي ذريعة، وأهمية التزام القانون الدولي الإنساني وضرورة وقف العمليات العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين والبنى التحتية التي تمس حياتهم اليومية، وتهيئة الظروف لعودة استقرار وتحقيق السلام الدائم الذي يكفل الوصول إلى حل عادل لإقامة دولة فلسطينية وفق حدود 67 بما يحقق الأمن والازدهار للجميع، وكانت هناك أيضا مشاركة فاعلة للمملكة في “قمة القاهرة للسلام” الداعية إلى وقف التصعيد بين إسرائيل وحماس ومنع تحوله إلى حرب إقليمية وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة، يأتي ذلك فيما يكثّف الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية، اتصالاته ولقاءاته بالشركاء الإقليميين والدوليين من أجل وقف التصعيد وتهدئة الأوضاع حتى يتسنى إدخال المواد الطبية والإغاثية للشعب الفلسطيني، ومن ثمَّ الوصول لحلٍّ عادلٍ وشاملٍ للقضية الفلسطينية.