عبدالرحمن بن شعوان .. كانت كلماته في سنواته الأخيرة لأبنائه :

سأورثكم الذكر الطيب.

انتقل عملي من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (إدارة رعاية الشباب) بالرياض منتصف عام 1389هـ 1969م، إلى مدينة الخبر لإدارة ملعب يعقوب الدوسري الذي اشترته الوزارة مؤخراً ليصبح الملعب الرسمي للأندية الرياضية بالمنطقة الشرقية، وقد فوجئت بنظافة البلد واستقامة شوارعها، وفوق هذا اتساع الشوارع، وعلى الخصوص مداخلها من مدينتي: الدمام، والظهران، عكس ما رأيته بالمدن الأخرى، وقد سألت وعرفت أن رئيس البلدية عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن فهد بن مضيان بن شعوان هو من أصر على أن تكون بهذا الاتساع، وقد اتهمه بعضهم بتبذير المال العام، ولكون الخبر عندما تولى رئاسة بلديتها قرية صغيرة، فاستعان بالقسم الهندسي بشركة أرامكو في تنفيذ الرسومات الهندسية التي كان يطلبها منهم، وبأبعادها المستقبلية، ومع ذلك فقد عارض مهندس أرامكو حينذاك (فرانك باتيرسون) هذه المشاريع، وبعد إصرار ابن شعوان على تنفيذ ما رسمه قال: أنا عندي مرسمة وأوراق لأرسم لك ما تريد وهي لا تكلفني شيئاً، ولكن طرقاً بهذا الاتساع تكلف الدولة الملايين لتنفيذها من سفلتة، وبنى تحتية، وترصيف، وتشجير، وإنارة، وغيرها.. حتى أنه أصبح يطلق عليها (أحلام ابن شعوان). كنت أراجع البلدية لأطلب من قسم الخدمات تخصيص سيارة لنقل الماء (وايتات) لرش أرضية الملعب الترابي قبل المباراة، وأجد التشجيع والتجاوب، وأحياناً يحيلونني إلى أحد المقاولين في أحد المواقع ليرسل إحدى السيارات لهذه المهمة. ما لبث أن غادر ابن شعوان البلدية منتصف العام التالي، فكثر مدحه والثناء عليه، وبعضهم يتهمه، بل ويقول: إنه سيحاكم بسبب إضاعة الأراضي بتوسعة الشوارع وغيرها. عرفت من سيرته المختصرة التي وافاني بها ابنه الأستاذ محمد، وما كتبه الأستاذ محمد الوعيل من مقابلة بجريدة الجزيرة (شهود العصر) من حلقتين عام 1407هـ قابله وهو على فراش المرض بالمستشفى، والدكتور عبدالله المدني الذي كتب مقالاً موسعاً بجريدة الأيام البحرينية (الشعوان.. حفر اسمه على جبين الخبر) 30 أغسطس 2023م 14 صفر 1445هـ. قال: إن والده هاجر من الرياض حي (المعيقلية) إلى الاحساء طلباً للرزق قبل توحيد المملكة. ولد عبدالرحمن بالهفوف عام 1333هـ، توفى والده وهو في سن مبكرة، وتولت والدته الجوهرة بنت عثمان الطويل – تربيته، فدرس وختم القرآن وعمره عشر سنوات، ثم تعلم الكتابة والحساب والإنشاء عند عبدالله بن زيد بن حسين وطاهر أبو خمسين. لم تكتف والدته بما تعلمه، بل أرسلته إلى البحرين لإكمال دراسته بالمدرسة الخيرية، فسكن هناك مع عمه فهد الذي كان يعمل بتجارة المواد الغذائية. عاد للأحساء بعد إتمام دراسته الابتدائية. اشتغل بالتجارة وعاش مع البدو من (آل مرة) فعركته مدرسة الحياة بين البدو والحضر في المدن والصحراء فتعلم منها التجارب والدروس ومعرفة طباع الناس. افتتح محلاً بالهفوف لبيع الأقمشة، وتزوج، وداوم على حضور مجالس الشعر والأدب وعلماء الدين. رشحه أهالي الأحساء لرئاسة بلديتهم عند إنشائها عام 1346هـ فاعتذر لخشيته عدم إرضاء الكل لأن (رضا الناس غاية لا تدرك). ومع بداية توسع الخبر وتحولها من قرية بعشش إلى نواة مدينة حديثة وجه الملك عبدالعزيز بإنشاء بلدية الخبر مع فرع لها بالدمام وآخر بالظهران، تولى رئاسة البلدية كل من محمد القصيبي ثم لطفي ناجي ثم عبدالوهاب سلامة. وحينما شغر المنصب عام 1372هـ أمر أمير المنطقة آنذاك سعود بن عبدالله بن جلوي بتكليف الشعوان برئاسة بلدية الخبر – بعد أن استقلت بلديتا الدمام والظهران عنها – فوافق لمحبته وتقديره للأمير بن جلوي، ولعلمه بأن سموه لن يقبل اعتذاره. ولهذا قال الدكتور المدني: .... وهكذا جاء الشعوان إلى الخبر ليترأس بلديتها بدءاً من عام 1372هـ 1952م وهو يحمل بداخله أحلاماً كبيرة لا حدود لها وطموحات عصرية وآراء غير مسبوقة لجهة جعل من الخبر مدينة متميزة عن شقيقاتها الأخريات في مختلف المجالات والأوجه.. ولم تكن تملك البلدية وقتها سوى 138 ألف ريال في صندوقها وسيارة واحدة مع سائقها وستة عمال نظافة ومساح واحد.. فشمر عن ساعده، وراح يبتكر الحلول والمبادرات القادرة على مواجهة النواقص وتحريك عجلة العمل. فقام بتخطيط الأراضي الفضاء وبيعها للمواطنين بسعر 50 ريال للقطعة.. وتخطيط شوارعها طولاً وعرضاً وتخصيص مساحات للحدائق والمساجد والمدارس والدوائر الحكومية..» وقال: إن جريدة الخليج العربي ورئيس تحريرها عبدالله شباط قد هاجمته مما دعاه للاعتذار بمقال بجريدة اليوم في 11/6/1988م بأنه كان يمثل وقتذاك فورة الشباب وحماسه واندفاعه، فيما كان الشعوان يمثل حكمة الشيخ الموازن بين الماضي والمستقبل بميزان التجربة مضيفاً «كنت أظن أن رئيس البلدية يستطيع أن يطلب فيعطى، ويأمر فيطاع، أما هو فكان يعلم تمام العلم أنه لا يستطيع أن يأتي بأي عمل إلا بموجب أنظمة وتشريعات وأوامر صرف وقبض في البلدية كما في أي مؤسسة حكومية..». قال: إنه بدأ رئاسته البلدية براتب شهري قدره ستمائة ريال وتقاعد وراتبه 1857 ريالاً علماً بأنه قد تقاعد بعد خدمة ثمان عشرة سنة 1372هـ حتى 1390هـ. قال بعد تقاعده بجريدة اليوم بمقابلة في 18/1/1403هـ ما نصه: «ورغم تلك النظرة الشمولية للمستقبل إلا أني لم أحصل عليها إلا بتعب ومشقة، وكانت النظرات محدودة وكان بإمكاني التوسع أكثر.. وليس كل ما حلمت به عملته.. وهذه الإنجازات ما كانت لتتم لولا توفيق الله وعونه، ثم بثقة ودعم ولاة الأمر وحكومتنا الرشيدة في هذا البلد الحبيب، حتى أصبحت هذه الأحلام حقيقة». كان شعاره الذي يؤمن به: (سر النجاح العمل بإخلاص)، قال لأبنائه في سنواته الأخيرة: (سأريكم الذكر الطيب). تم تكريمه تكريماً معنويا في المؤتمر الأول لرؤساء البلديات والمجمعات القروية الذي انعقد في فندق الميريديان بالخبر في 6/5/1404هـ تحت رعاية وزير الشؤون البلدية والقروية حينذاك الشيخ إبراهيم العنقري رحمه الله. توفى رحمه الله في مدينة الخبر في 22/11/1408هـ ودفن في مسقط رأسه بالأحساء تنفيذاً لوصيته. ولعلنا نختم بذكر شيء من منجزاته رحمه الله، وحرصه على ربط العمل المكتبي بالمتابعة الميدانية. قاد بلدية الخبر كأول بلدية قامت بتركيب الإشارات الضوئية في التقاطعات في الشوارع. قاد بلدية الخبر كأول بلية أقامت (أسبوع الشجرة) وذلك في عام 1378هـ. قاد بلدية الخبر كأول بلدية أقامت (أسبوع النظافة) في عام 1374هـ. قاد بلدية البخر كأول بلدية اعتمدت تسميات منظمة للشوارع. قاد بلدية الخبر كأول بلدية قامت بمد خطوط أشجار (الأثل) الحاجز للرمال من الناحية الشمالية لمدينة الخبر، لإيقاف زحف الرمال وهو ما سمي حالياً (الحزام الأخضر). قاد بلدية الخبر كأول بلدية قامت بإيجاد (الأحراش) لتمويل تشجير المدينة (مشتل البلدية). ساهم في تحسين تسمية الأحياء حيث ألغى التسميات القديمة الصبيخة بـ (الخبر الجنوبية). ساهم في تخصيص أراضي للمدارس بمساحات مستقبلية 500 ×500م بعد أن كانت إدارة التعليم تطلب 50 × 50م فقط. الموافقة على طلب المواطن يعقوب الدوسري بإنشاء (ملعب يعقوب) في قلب المدينة وتحول أخيراً مقراً لنادي القادسية. عضو مؤسس لجريدة اليوم للصحافة والطباعة والنشر على 1384هـ 1965م. كتب محمد البكر في جريدة اليوم في 22/2/2018م بعنوان (ابن شعوان .. تاريخ لا يُنسى) «.. فنحن اليوم نجني ثمار جهده وحسن أفكاره وبعد نظره.. أفلا يستحق منا التمني على أمانة المنطقة تسمية أحد شوارع الخبر باسمه». وقال فالح الصغير في اليوم 27/11/1987م «عبدالرحمن الشعوان.. هذا الذي خطط بيديه الشوارع الفسيحة في وقت كان الناس يضحكون عليه حينما يضع عرض الشارع 40 متراً قبل 25 عاماً.. الكثير كانوا يعتقدون أن ما يفعله الشعوان خارج عن نطاق العقل، لكن الزمن أثبت من هو العاقل.. ويكتمل التكريم لو سمي أحد شوارع الخبر باسمه». وقال محمد الوعيل في الجزيرة: «.. لقد أحسست والحديث يتواصل مع ضيفنا الشيخ الشعوان أن حب مدينة الخبر يجري في دمه وأنها تحتل مكانة كبيرة في قلبه وعقله.. لم ينس الرجل الحديث بكل وفاء عن أولئك الذين سبقوه في العطاء للخبر وأولئك الذين شاركوه في خدمتها وقت أن كانت بلديتها تمتلك سيارة واحدة.. ».