الريـــاض .. عاصمة المؤتمرات.

مِن الثمار الكثيرة جداً التي بدأنا نقطفها مِن رؤية 2030 ثَمَرَة المؤتمرات والندوات والفَعَاليات الدولية والإقليمية التي عُقِدَت وتُعقَد في عاصمتنا الغالية الرياض، بعد أنْ كان كثيراً مِن هذه الفعاليات تُعقَد في دوَل الجوار بسبب التعقيدات البيروقراطية، بدءاً مِن إجراءات السماح لعقد الفعَاليَّة وانتهاءً فيما يتعَلَّق بسهولة دخول المُشاركين والمدعوين مِن خارج المملكة لهذه الفعاليات الدولية والسياسية والعلمية والبيئية. والمُراقِب لهذا التغَيُّر الجميل في استقطاب المؤتمرات والندوات إلى المملكة، يُلاحِظ أحياناً تزاحُم بعض هذه الأنشطة، بحيث يُعقَد مؤتَمران أو ندوتان أو أكثر خلال نفس الأسبوع. ولا مشاحةَ في ذلك عندما تكون هذه الأنشطة مُجَدوَلة بناءً على “روزنامة” دولية أو إقليمية، بمعنى أنَّه مُخَطَط لعقد هذه الفعالية مُنذُ عِدَّة أشهُر أو أكثر، مثل مؤتمر الأطراف السادس عشر (كوب 16 COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التَصَحُّــر، الذي عُقِدَ في الرياض خلال الفترة 2 – 3 ديسمبر 2024م. حيث كان مؤتمر COP16 أكبر اجتماع على الإطلاق للأطراف الـ 197 في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التَصَحُّـر، والأوّل من نوعه يُعقَد في الشرق الأوسط. هذا المؤتمر الدولي (كوب 16 COP16) تَمَّ تَحديد تاريخ ومكان عَقدِه في الرياض بطَلَبٍ مِن المملكة في يناير 2024م، حينما وَقَّعَ معالي وزير البيئة والمياه والزراعة مع الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التَصَحُّـر UNCCD لاستضافة المملكة للمؤتمر السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التَصَحُّـر (COP16) خلال الفترة 2 – 13 ديسمبر 2024م. ولكن كَثرَة ترتيب الفعاليات في العاصمة الرياض مِن مؤتمرات وندوات ومعارض أو ما شابهها خلال نفس الأسبوع مِن شأنِه أنْ يتسبب في ارتفاع تكاليف إعداد وترتيب وتنظيم هذه الفعالية مِن قِبَل الجهاز الحكومي الذي يستضيف هذه الفعالية، وكذلك ارتفاع تكاليف الإقامة لضيوف هذه الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية، إضافةً إلى زيادة مشكلة الزحمة المرورية في الرياض، والسلبية الأخيرة هي ضَعف استفادة المُهتمين من هذه الفعاليات بسبب تزامُن عَقدِها. وهذا ما أشارت له صحيفة سبق في شهر إبريل الماضي، حيث تَسَـبَّب إقامة ثلاث فعاليات ضخمة خلال أسبوع واحد (المنتدى الاقتصادي العالمي خلال الفترة 28 - 29 إبريل، مُلتقى مستقبل السياحة الصحية خلال الفترة 28 - 30 إبريل، قِمَّة مستقبل الضيافة خلال الفترة 29 إبريل - 1 مايو)، في ارتفاع أسعار الفنادق لفئة خمسة نجوم في الرياض لأكثر من خمسة آلاف ريال للغرفة (https://sabq.org/saudia/grbobj1t3y). حضور قليـل !! كذلك فإنَّ مِن سلبيات عَقد عدّة فعاليّات مِن مؤتمرات وندوات ومعارِض في نفس الأسبوع تَسَــبُّبها في انخفاض عدد الحضور لبعض هذه الفعاليات، وذلك بسبب ضيق الوقت للمُهتمين وتَشَــتُّت اهتمامهم بين هذه الفعاليات “المحشورة” خلال أسبوع واحد، حيث يحتارون كيف يُنظِّمون أوقاتهم لِكُلٍ مِن هذه الفعاليات. كذلك قد يتسَبَّب كثرَة عدد الأنشطة مِن محاضرات ونقاشات علمية على هامش هذه الفعاليات في انخفاض كبير في عدد الحضور لهذه الأنشطة. وهذا ما تَمَّ رَصدُه في الأنشطة التي رافقت مؤتمر كوب16 في منطقة البوليفارد بالرياض. وعلى الرغم مِن جمال الإعداد والاستعداد لمؤتمر كوب16 في منطقة البوليفارد، وكذلك ضخامة الكرم الحاتمي في ضيافة الحضور أثناء فعَاليَّات المؤتمر في المنطقتين الخضراء والزرقاء، إلاّ أنَّ عدد الحضور في المُحاضرات وحلقات النقاش التي رافقت المؤتمر كان مُخيِّب جداً جداً. ففي إحدى المحاضرات التي ألقاها زميل من كلية علوم الأغذية والزراعة في المؤتمر، لم يتجاوز عدد الحضور عشرة أشخاص !! وللأسف الشديد نفس المشهَد تَكرَّر في كثيرٍ من الفعاليات بالمؤتمر، مما قد يؤثِّر سَــلباً على انطباعات المُحاضرين في المستقبل وقراراتهم بشأن الحضور للمملكة لمِثل هذه الأنشطة. الجامعة، الجامعة، الجامعة لا يخفى على المسؤولين أنَّ جامعة الملك سعود هي الجامعة الأقدَم والأكبر في المملكة، وهي الجامعة التي رأى المقام السامي الكريم أهميتها بجعلها تحت مظلة الهيئة الملكية لمدينة الرياض وليس وزارة التعليم، مما يؤكِّد أهمية هذه الجامعة في المملكة وفي العاصمة الرياض، على وجه الخصوص. وتَضُم جامعة الملك سعود جميع الكليات الموجودة في كُبريات الجامعات العالمية، وبالتالي وجود ارتباط وثيق جداً لهذه الجامعة بغالبية مواضيع المؤتمرات والندوات التي تُعقَد في المملكة، وفي العاصمة الرياض على وجه الخصوص. ومع هذا الاهتمام الكبير من لَدُن المقام السامي الكريم بجامعة الملك سعود، لا نُشاهِد اهتماماً مُسايراً لذلك مِن لدُن رؤساء الأجهزة الحكومية الذين تقوم أجهزتهم بعَقد المؤتمرات والندوات والفعاليات المحلية والإقليمية والدولية في العاصمة الرياض. ولا يختلف إثنان على أنَّه ما لَم يتم رَبط الجامعات الحكومية بما تقوم به الأجهزة الحكومية مِن أنشطَة وفعاليات خارج المُدُن الجامعية، فإنَّه سَـتَظَلّ هناك فجوة كبيرة وخطيرة بين القطاع الحكومي والقطاع الأكاديمي لا محالة ستؤثر سَلباً على مسيرتنا التنموية ورؤية 2030. وفي هذا الخصوص، فقد كان بإمكان وزارة البيئة والمياه والزراعة التي استضافت مؤتمر كوب 16 تلافي الموقف المُحرج بشأن قِلَّة عدد الحضور في الأنشطة العِلميّة على هامش المؤتمر لو أنَّها اختارت المدينة الجامعية لجامعة الملك سعود في الدرعية لإقامة مؤتمر كوب16، وليس منطقة البوليفارد المُكتَظَّة بأنشطة وفعاليات ترفيهية يومية وتتوَسَّط بين أحياءٍ سكنية، حيث سَـتضرب الوزارة ليس فقط عصفورين بحجر، بل عِدَّة عصافير للوزارة وللعاصمة الرياض وسُكَّانها بحجَرٍ واحد. فلو اختارت وزارة البيئة والمياه والزراعة المدينة الجامعية لجامعة الملك سعود بالدرعية لإقامة مؤتمر كوب16، لتَحَقَّقَ لها ما يلي: (1) ضمان كثافة حضور للمحاضرات وحلقات النقاش مِن قِبَل طلبة الجامعة والهيئة التدريسية، إضافةً إلى المُهتمين بهذا المؤتمر مِن خارج الجامعة وخارج الرياض والمملكة. (2) رَبط الجامعة وأقسامها الأكاديمية وأعضاء هيئة التدريس والطلبة بهذه الفعاليات العلمية. (3) تسهيل عمليات وقوف سيارات المشاركين في المؤتمر والزوَّار، في ظِلّ كثرة مواقف السيارات في المدينة الجامعية، حيث تَذَمّر بعض الزملاء من مشكلة وقوف السيارات في منطقة البوليفارد. (4) التخفيف مِن زحمة المرور في الطُرُق المؤدية إلى ومِن منطقة البوليفارد. (5) وإن كان لا بُدّ مِن إقامة نشاط أو فعالية على هامش مؤتمر كوب 16 في منطقة البوليفارد، كان بإمكان وزارة البيئة والمياه والزراعة عَمَل ذلك النشاط في البوليفارد وتسـيير حافلات تردُّديّة بين المدينة الجامعية لجامعة الملك سعود ومنطقة البوليفارد لزيادة عدد الحضور لذلك النشاط. ولكن، تلك كانت أُمنيات “أكاديمي” كان يأمَل، بل يتوَقَّع حِرص أصحاب المعالي والسعادة على ربط أنشطة الأجهزة التي يديرونها بجامعات وكُليات التعليم العالي ذات العلاقة وإشراك منسوبي تلك الجامعات والكليات وطلبتها في تلك الأنشطة إعداداً وتنظيماً، لا أنْ يُهَمِّشوا الجامعات ويعتبرونها كيانات لا علاقة لها بأجهزتهم مِن وزارات وهيئات ومؤسسات وشركات حكومية.