الهدف الذي صنع شهرتي!

جرّبت طعم الشهرة كلاعب كرة مرّة واحدة في حياتي، تجربة لا تُنسى رغم أنها كانت على نطاق محدود. حدث ذلك عندما سجّلت هدفًا في مرمى فريق إنجليزي في أثناء دراستي في بريطانيا لمدّة لم تتجاوز الشهرين. كنت حينها أدرس برنامجًا لتطوير اللغة الإنجليزية في مدرسة “كنج سكول” بمدينة بورنموث (Bournemouth) الريفية الجميلة. تقع بورنموث في مقاطعة دورست بإنجلترا، وهي مدينة محاطة بالأشجار من كل جانب، وتشتهر بوجود العديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية. خلال تلك الفترة، انضممت لفريق المدرسة وكنا نتدرّب خلال النهار. في أحد الأيام، أقيمت مباراة وديّة بين فريقنا ومدرسة أخرى لا أذكر اسمها، ولكنني لا أنسى الملعب الأخضر الذي لعبت فيه لأول مرة. كان الحماس في أوجه، والجماهير الإنجليزية تُحيط بالملعب بتشجيعها المميّز. كان فريقنا من جنسيات متعدّدة من طلاب المدرسة من السعودية -الله يعزّها- وعدد من بلدان آسيا وبلدان أوربا الشرقية. المباراة كانت متكافئة، ولم يسجّل أي فريق هدفًا حتى الدقائق الأخيرة. كنت ألعب في خانة الوسط، ومع اقتراب النهاية، حصل فريقنا على ركلة زاوية إذا لم تخني الذاكرة. كانت الكرة مرفوعة بدقّة رائعة وكأنها تقول لي: “سجّل!”، فاستفدت قليلاً من طولي، رغم أنني لم أعدّ نفسي لاعبًا مميّزًا، لكنني لست سيّئًا أيضًا. ارتقيت فوق الجميع وضربت الكرة برأسي فوق الحارس مباشرة، لتستقرّ في الشِباك. عمّت الفرحة أجواء الملعب وسط تصفيق وأهازيج جماهيرنا على قلّتهم. شعرت حينها وكأنني طائر في السماء، غارق في أحضان زملائي، وممتلئ بنشوة الإنجاز. في ذلك اليوم شعرت أنني أشهر شخص في مدينة بورنموث! وزاد شعوري بالاعتزاز حين احتفى زملائي بي وأقاموا حفلة صغيرة تكريمًا للفوز. وما هي إلا لحظات، حتى خفتت نشوة ذلك الهدف، كضوء مصباح يتلاشى أمام إشراقة يوم دراسي جديد يحمل في طياته التزامات الجد والاجتهاد. عاد الحديث إلى موضوعات أخرى، وخلت الأجواء من ذكر الهدف وصاحبه، لكن الذكرى الجميلة بقيت حاضرة، تُطلّ من حين لآخر كابتسامة خجولة. الحياة سخيّة بمشاعرها المتنوّعة؛ تمنحك الفرح والحزن، ونشوة النجاح بعد تعب واجتهاد. لكنها تُعلّمك أيضّا درسّا ثمينّا: أن دوام الحال من المحال. في خضم هذا كلّه، تذكّرك الحياة بأهمية المحاولة، وبأن عليك إشعال ذلك المصباح مرة بعد مرة، بأعمال وإنجازات تستحقّ أن تكون تحت دائرة الضوء.