نصوص جديدة لفهد العتيق

محاولات مثل قصائد نثر ... 

محاولة أتذكر ليلة زرت فيها ذلك المكان البري القديم شمال غرب الرياض.  انطلقت بعد المغرب وأنا أتأمل هذه اللحظة السحرية بين النهار والليل.  وحين وصلت المكان لاحظت آثار أقدام ونار لم تنطفئ،   ورائحة قهوة عالقة في هواء الليل.  جلست وفي ذهني رغبة في محاولة الكتابة عن ليل مستعمل،   لكني كتبت قصة ليل ضال،   وفيما بعد تحولت الى مشاهد قاطع طريق مفقود. ‏    تشابه شوارع غامضة.. تشابه وجوه جميلة ‏استيقظ فجأة مبكرا وبشكل مزعج حتى أن تفكيره كان متوقفا عند نقطة ما. تقاطع في شارع مثلا.. أي شارع. كان يتمشى وحيدا على الرصيف الممتد حتى ابتسمت في وجهه فجأة وسألته: ما الذي جاء بك الى هنا. تأمل في وجهها وسأل نفسه.. أين رأيت هذا الوجه من قبل.  في المساء طرقت عليه الباب. طرقت مرة أخرى. لكن دون إجابة. فأقنعت نفسها أن تتركه لينام. بينما كان يلف أرصفة المدينة يبحث عن تقاطع ما في شارع ما في مدينة غامضة لا يعرفها وفي أحيان قليلة كان يتوقف ليسأل نفسه.. أين رأيت ذلك الوجه الجميل من قبل.    برية مظلمة سرحت في مكاني وكنت أرى أني أنام في برية نجدية واسعة ومظلمة، وحولي منازل طين قديمة واطئة تنبعث منها موسيقى قديمة، لها رائحة عميقة أعرفها، كأني على وشك أن ألمسها، موسيقى من وحي قصائد شعر جاهلي، أو ضحكات أناس ضالين، وأحيانا أرى أنهم قد بدأوا حروبهم، فتطأ نومي حوافر خيولهم الراكضة بلا دليل. وفي الصباح وجدت روحي مضروبة وذاكرتي مثقوبة ومزاجي ملون وحلقي محتقن وجسمي حار. قلت سوف أرمم ذاتي الجديدة مثلما رممت على مدى سنوات وقتي الذي صار مثل عادة قديمة خاملة، ويحتاج الى عادات حيوية جديدة.    قطعة من ليل ضال في أوقات حالمة،  أتوقف لأراها تمضي بعيداً،   حقيبتها خلف ظهرها،   فيتسلل غناء قديم لروحي،   تتسلل بلاد ضائعة،   تتسلل وجوه غائبة أعرفها،   وتتسلل رائحة قديمة،   تعيدني إلى زمن مضى وانقضى،   لكنني أشعر أننا جميعاً خرجنا من معركة طويلة،   قلت في نفسي: هل خرجنا فعلاً أم أننا مازلنا في جحيم المعركة.   هل اتفقنا أن نلتقي في المساء،   ربما، لكن النوبة عاودتني فنسيت من أنا،   وفي الصباح حين اتصلت بها لم تسألني أين كنت ليلة البارحة،  سمعتها تعتذر بهدوء عن عصبيتها وعن غيابها،  ولهذا ارتحت.   التقينا كثيراً في أوقات قصيرة جداً ومسروقة ومرتبكة،   لكننا لم نتواصل،  لأني كنت أعاني من ذاكرة سيئة ومزاج قلق،  وهي تعاني من نوبة عصبية،  مع ذلك مازلت أراها،  مازالت أمامي،   وأنا مازلت خلفها،  هي أمامي بعيدة مثل نقطة ضوء يهتز،   حقيبتها خلف ظهرها،   وأحلامي الصغيرة في حقيبتها.    حالة تبحث عن حارة.. سقط المدير فجأة.   سقط مدير الحارة وعمدتها، فجأة، مثل بيت قديم.   سقط الشيخ إبراهيم الذي كان يركض في حارات وشوارع الرياض القديمة حافيا.   سقط أمام بيت ابن جمعان.  كان قادما من سوق الحمام في حراج ابن قاسم كما قال رفيقه. افترقا هو ورفيقه في مدخل الحارة قبل المغرب بقليل، ولا أحد يعرف ما الذي جرى لكي يسقط هكذا فجأة بلا مقدمات ودون علم أحد من عشاق حكايات المليونير الحافي وصاحب أول دكان في العالم يجمع بين البقالة وتأجير وبيع البيوت القديمة في مكان واحد.   حملوه الى بيته   نام عدة أيام دون فائدة.   بعد ذلك أحضروا الطبيب الذي فحصه وقاس ضغطه ثم حقنه بمصل   ثم سأله بعد ذلك: بماذا تشعر الآن.   وكان الطبيب يبتسم،   أغمض إبراهيم عينيه وقال بصوت له رائحة المـوت: أشعر كأني أريد أن أنام.