زورق

أتمنى، ببهجة طفل أمسك الثدي بيديه، أن يكون لي زورق حالم، أرود فيه جزر السندباد؛ لأرى هل كان صادقا فيما سرده علينا من الغرائب والمفاجآت، أم أن شهرزاد حثّت خيالها؛ لتغرق شهريار في دوامة الذهول؟ لن يكون هدفي التجارة التي كادت خزينة السندباد أن تنفجر من ضخامتها، بل هدفي أن أرى هل كان هناك عالم يشبهنا، عالم تفتك به الأحقاد والحروب؟ أم أن هناك ما يقال عندنا خياليا: (مجتمعات تظللها الحرية والأخوة والمساواة) يقولون: إنه مر على الإنسان زمن مدرار كانت تظلله المساواة، وينام ملء عينيه بلا كوابيس، وكان ذلك في عهد (الإنسان ما قبل المجتمع) وقد ألح الفيلسوف الاجتماعي جان جاك روسو على هذه الفكرة، معتبرا أن المجتمع أفسد الطبيعة الفطرية للإنسان، ولكن المشكلة التي لم يلتفت إليها روسو أن الفرد البشري لا يكون إنسانا إلا بالتفاعل داخل المجتمع، وبدون ذلك يبقى فردا غرائزيا، لا يختلف عن أي حيوان. لكن روسو أبدع في تعليل نشوء التفاوت بين الأفراد الذي هو سبب إفساد الطبيعة الفطرية فقال:(إن أول كائن بشري وضع سياجا حول قطعة من الأرض وقال: هذه الأرض أرضي، ووجد أناسا آخرين كانوا من البساطة إلى درجة أنهم صدقوه) هنا يناولنا روسو من القرن الثامن عشر سراجا نقرأ على ضوئه حاضرنا، وما فيه من تفاوت يجسده الرأسمال وما يقوم به من تدمير للقيم والقضاء كل ما بناه عصر التنوير. ولكن قل لي هل يمكن القضاء على التفاوت في الواقع، أم فقط في عالم الأمنيات؟ أسمعك تجيب: فقط في عالم الأمنيات.