استرَاحةٌ علَى مَتنِ مَجزْرَة
(إلى أطفالِ (غزةَ) وهم يستقبلون هداياهم الأخيرة) لأنِّي ـ وإنْ كنتُ طفلاً ـ يُكلِّفُني العِشقُ أنْ أستريحَ على مَتنِ مَجزرةٍ في الضلوعْ تزيدُ اتساعًا فيَنضجُ في دمِنا البُرتقالْ تُعلِّقُ في كلِّ مِئذنةٍ صوتَها للفُصولِ، وللحُقولِ، وللقمرْ لأنَّ الذين بها يشبهُون المطرْ يُكلِّفُني العِشقُ كيما أكونَ أبًا للمياهِ التي لم تجدْ فُرصةً كي تعيشْ فتِلكَ الدِّماءُ التي آمنَتْ بالعِناقِ الأخيرْ وقد هيَّأتْها (القَضيَّةُ) قبلَ الحِصارْ وقبلَ سُقوطِ البوارجِ والطائراتْْ وقبلَ الذين يَموتونَ من غَيرِ مَوتْ وقبلَ الرَّمادِ الذي لم يجدْ نارَهُ في الصباحْ فأعلنَ أنَّ الحياةَ مجرَّدُ وقتٍ وأنَّ الذينَ يخافونَ أسماؤهم عُلِّقتْ مُنذُ سبعينَ صيفْ فهمْ زَبدٌ رَفضتهُ الضفافْ ونحنُ على حدِّ سيفْ وما ثَمَّ مُتَّسَعٌ للهواءْ لأنِّي ـ وإنْ كنتُ طفلاً ـ تُعلِّمُني الأرضُ كيف أُحبُّ.. وكيف يضيقُ المكانُ إذا لم يكنْ أهلُهُ أقوياءْ وكيف أُؤرِّخُ للتّينِ عُمْرًا لتصعدَ زيتونةٌ آثرتْ أن يعيشَ البياضْ توزِّعُ أعشابَها للذين ينامون في سَاحةِ الأنبياءْ وليس لَديهِمْ سِوى حَجرٍ يصنعُون به حقلَهم / دارَهم / نهرهَم يطرُدونَ به كلَّ لِصٍّ أرادَ بأن تسقطَ السِّنديانْ فبين الشظايا التي لا تنامُ وبين أغاني العُروبةِ ينتصِرُ الواثِقونْ وإنْ لم يكنْ من نوافذَ تُفتَحُ للصارخينْ سنصمدُ، سوف نصدُّ الرياحَ التي غضَّ عنها الظلامْ كتبنا الوصيَّةَ قبل الولادةِ؛ إذ لا حياةَ بلا كبرياءْ لأنِّي ـ وإنْ كنتُ طفلاً ـ أُشاهِدُ غُربتَنا من قَديمْ أرى ثُقبَ أحزانِنا في الصُّورْ أرى وجهَ أمِّي وقد خدشتْ ضوءَ يَقطينِهِ ثورةُ العنكبوتْ مصَابيحُنا لم نذُقْ طعمَها مرتينْ نظلُّ حَبيسِينَ ننتظرُ العابرينَ يمدُّوننا بالكلامِ الذي يطرقُ بابَنا من غيرِ قُوتْ أجلْ إنها خيبةٌ للأبدْ أما آنَ للريحِ أنْ تُخرِجَ مِنْ كُمِّها نخلةً أو نخلتينْ أما آنَ للواقفينَ على بوَّابةِ الجُرحِ أن يُحسِنوا ظنَّهم بالثِّقابْ فقد تنحني دونَها غابةٌ من سوادْ جميعُ المرايا التي تستعينُ بإفكِ الجوارْ ولم تنتبِذْ جانبًا من أرَقْ خلعنَ البراءةَ إذْ لا مِساسْ وكانت تَضِنُّ بما في الخرائطِ من بَوصلاتْ لماذا تُخبِّئُ فانوسَها السمهريَّ عندَ اكتمالِ الجُثثْ..؟ غدًا سوف تبدأُ رحلتَها للحِدادْ وسوف تقيمُ الكناياتِ عن كلِّ إثمْ وتُخفي العَزاءْ لأنِّي ـ وإنْ كنتُ طفلاً ـ سأقطعُ هذا الطريقَ الطويلْ فلستُ أنا وحدَهُ مَنْ سيقطعُ هذا الطريقْ فأسماؤنا واحدًا واحِدًا ستَنزِعُ هذا الترابَ الذي لم يعدْ تحتنا وسوف يكونُ ـ وإن طال دربٌ ـ لدينا وطنْ فإنَّ (فلسطين) تعرفُ ماذا سيحدثُ عمَّا قريبٍ، وعمَّا بعيدْ وهم يعرفونْ .. يقولون: نحن خَسِرنا الرِّهانَ ونحن انكسرنا ونحنُ فقدنا كثيرًا من الحبِّ والخُبزِ والأغنياتْ وهم يربحونْ أقول لهم: إنكم تَهرِفونْ فإنَّ الشوارعَ، إنَّ الأزقةَ، إنَّ الممراتِ سوف يجيءُ الشِّتاءُ وتُخبركم أننا شُهداءْ .. وما زال مِن خَلفِنا مَن يقومُ بهذا العِراكِ اللذيذْ إلى أنْ تعودَ (فلسطينُ) أرضًا ونايًا وماءْ