البرنامج الثقافي المصاحب يثير جدلا واسعا:

معرض جدة للكتاب 2024: دور النشر ليست سعيدة.

اختُتم مؤخرًا معرض جدة للكتاب لعام 2024، الفعالية التي طالما شكلت نافذة ثقافية وموسمًا مميزًا لعشاق الكتاب. إلا أنها هذا العام جاءت بنكهة مختلفة، مزيج من الإيجابيات التي تبعث على التفاؤل والسلبيات التي تثير القلق حول مستقبل مثل هذه الفعاليات. معاناة دور النشر ورغم تقليص أسعار الأجنحة هذا العام، بقيت أسعار بعض الكتب مرتفعة، ما أدى إلى عزوف العديد من الزوار عن الشراء. وعبّر العديد من أصحاب دور النشر عن استيائهم من الإقبال الضئيل، واصفينه بـ»المأساوي». ففي حين كانت بعض الأجنحة شبه خالية، انحصر الزحام في أماكن محددة، وكأن المعرض بات أشبه بمقهى أكثر منه فضاءً للكتاب والثقافة. هذا الوضع يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة خلف ذلك: هل هو التوقيت غير المناسب؟ أم ضعف الخطة التسويقية والإعلامية؟ أم أن تغيّر عادات القراءة وأولوية المحتوى الرقمي باتت تلقي بظلالها على هذه التظاهرات؟ البرنامج الثقافي بين التكرار والغياب النوعي البرنامج الثقافي المصاحب لم يكن بمستوى التطلعات. تكرار أسماء شاركت مسبقًا في معرض الرياض الدولي للكتاب الاخير، وظهور أسماء أخرى في أكثر من نشاط داخل نفس البرنامج، أعطى انطباعًا بالتكرار وغياب التنويع. كما أن بعض المتحدثين لم يكونوا متخصصين في موضوعات النقاش، ما أضعف القيمة المعرفية للجلسات. فيما لاحظ كثيرون غياب الأسماء اللامعة والمحفزة للحضور، ما جعل الفعاليات تبدو باهتة في نظر الجمهور. ومن المؤسف أيضًا أن الجمعيات المهنية مثل “جمعية الأدب” غابت كما يبدو عن تخطيط وتنفيذ البرنامج الثقافي للمعرض. جوانب مضيئة في المعرض رغم الانتقادات المتعددة، لم يخلُ المعرض من بعض الجوانب المضيئة. كان برنامج الأطفال المصاحب للبرنامج الثقافي هو الأكثر تميزًا ونجاحًا، حيث حظي بإقبال كبير سواء من الأطفال أنفسهم أو من الأمهات اللاتي أبدين وعيًا بتعزيز القراءة لدى صغارهن. أيضًا، جناح “المانجا” قدم تجربة استثنائية عبر الخصومات والهدايا، مما جعله وجهة رئيسية لزوار المعرض. ومن الخطوات الإيجابية التي سُجلت للمعرض الذي رفع هذا العام شعار “جدة تقرأ”، مبادرة دعوة طلاب المدارس، وساهمت في زرع بذرة حب القراءة لدى الأجيال الجديدة. إضافةً إلى ذلك، يُحسب للمعرض استقطابه عددًا كبيرًا من الشباب السعودي للعمل كمرشدين ومنظمين، مما ساهم في إكسابهم خبرات عملية في إدارة الحشود والفعاليات. نحو مراجعة شاملة ختاما، كان معرض جدة للكتاب 2024 خليطًا بين التجربة والخيبة. لم يكن المعرض قادرًا على تحقيق الزخم الثقافي المتوقع، لكنه لا يزال أحد أبرز الفعاليات الثقافية في المملكة، وهو بحاجة ماسة إلى مراجعة شاملة. فالتحديات التي واجهها هذا العام من ضعف الإقبال، وتكرار الفعاليات، وتغير عادات القراءة هي بمثابة دعوة لإعادة صياغة الرؤية المستقبلية للمعرض، حتى يعود منارة للثقافة والكتاب، ويلبي طموحات عشاق القراءة ودور النشر على حد سواء. ------ قبل عدة سنوات، للمفارقة، كانت لوحة معرض جدة تشمل الصفة الدولية، حاملة معها تطلعات نحو العالمية، وها هي اليوم تختزل باسم أقصر. تُرى، هل فقد المعرض شيئًا من ألقه القديم أم أنها خطوة نحو إعادة تعريف الهوية؟ الوقت وحده سيجيب.