يوميات رحلة عبر الجزيرة العربية

من القطيف على الخليج إلى ينبع على البحر الأحمر عام ١٨١٩.

النقيب جورج فوستر سادلر ترجمة : عدنان السيد محمد العوامى. جورج فوستر سادلير مؤلف الكتاب ضابط في إحدى كتائب المشاة في الجيش البريطاني في الهند، ابتعث من قبل عمدة بومباي (معتمد الحكومة البريطانية في الهند) في مهمة إلى الجزيرة العربية، ظاهرها مقابلة إبراهيم باشا، قائد حملة محمد على باشا والى مصر، الحملة التي دمرت الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، كان هدف بريطانيا التحالف مع إبراهيم باشا لإخضاع قبيلة القواسم التي تتهمها الحكومة البريطانية بممارسة القرصنة في الخليج. ولكن ما كتبه من وصف لجغرافية الجزيرة العربية وأحوال أهلها، وأحداث حملات محمد على باشا على الدولة السعودية الأولى يوضح ما حققته مهمته من أهداف استخباراتية. لم يوضح سادلير لماذا كانت السلطات البريطانية تريد استغلال سقوط الدرعية للحملة على القواسم؟ هنا نوضح أن القواسم قبائل عربية كانت تتاجر في البحر وكانت تقيم على جانبي الخليج، ونظرا لأن بيئة الخليج غير زراعية فإنها تحولت إلى تجارة البحر، وكانت بهذا تنافس شركة الهند الشرقية التي تسعى لاحتكار التجارة في البحر، فرضت السلطات البريطانية على كل البواخر أن ترفع العلم البريطاني ولكن القواسم لم يذعنوا لذلك. اسم القواسم يضم قواسم رأس الخيمة والشارقة والفجيرة وقبائل ساحل عمان والبحرين، وما اتًهمت به من قرصنة كانت في الحقيقة عمليات دفاع عن النفس، وواضح أن القواسم كانوا متفاعلين مع دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب. ما رشح سادلر لمهمته تلك أنه كان قد لفت نظر رؤسائه أثناء خدمته في بلاد فارس، كما أن الاسلوب الذي اتبعه سادلر في بعثته إلى إبراهيم باشا قُيم إيجابيا عند رؤسائه فعُهد إليه ببعثة مماثلة إلى أمراء السند الذين كانوا قد أبدوا الرغبة في تطوير علاقاتهم بالحكومة البريطانية في الهند. المحطة الأولى كانت إلى مسقط، حيث أبلغ الإمامَ ونائبه ووزيره بالمهمة التي جاء من أجلها، و استفسر عن إمكانية قيام جيش السلطان بالمشاركة في العمل الحربي ضد القواسم، في حالة أن تنجح مهمة سادلير في القيام بعمل عسكري يشترك فيه الأسطول الإنجليزي مع جيش الباشا. لم يكن الإمام مرتاحا لهذه المهمة لأنه كان متشككا في نوايا محمد علي وجيوشه وأطماعه في بلاده، وكان يريد ضمانات من الحكومة البريطانية. أشار الإمام إلى وحشية ابراهيم باشا التي تعامل بها مع الدرعية، ولكن الإنجليزي أعلن جهله التام بهذا واستعمل كل الحجج لنفي أي انطباع سلبي عن ابراهيم باشا، وتحدث عن سلوك محمد على باشا في مصر وعن التفاهم القائم بينه وبين إنجلترا، نلاحظ هنا كيف يلتف الانجليز على الحقائق فهو لا يعطي ضمانات لإمام عمان ولكنه يطمئنه على نوايا الحكومة الانجليزية التي لا أطماع لها في الخليج، فهي ستحارب القواسم في البحر ولا مصلحة لها في ملاحقتهم إلى داخل أراضيهم. وسنرى فيما بعد كيف أنه أكد وحشية تعامل ابراهيم مع أهالي نجد. حاول الإمام أن يقنع الإنجليزي بأن يقوم الإنجليز والعمانيون بالمهمة دون حاجة للجيش التركي، أعلن الانجليزي عن سروره بهذا المقترح وأنه سيناقش الأمر مع حكومته، ولكنه أشار إلى وعود سابقة من الإمام بالتعاون مع ابراهيم باشا. وهنا وعد الإمام بالمشاركة بسفن وأفراد مع القوة التي يرغب الإنجليز بتكوينها من الأطراف الثلاثة أي الانجليز وقوات إبراهيم باشا والعمانيين. ولكنه لن يتحالف مع الجيش التركي في البر وحتى لو أراد فإن جيشه لن يطيعه، ولكنه سيكون على رأس قوة تنسق مع البريطانيين في البحر. نلاحظ هنا أن الإنجليزي أشار بأن الامام يستطيع نتيجة لجهوده مع البريطانيين ضم رأس الخيمة إلى أراضيه، لكن الإمام الذكي قال بأنه لن يتمكن من الاحتفاظ بها حتى لو قُدمت له، باعتبار النفقات التي تلزمه لإتمام هذا الإجراء. ولكنه تعهد بمنع الهاربين من قواسم رأس الخيمة من اللجوء إلى عمان. كذلك أشار الإمام إلى الشائعات التي تقول بأن جيش ابراهيم باشا سينسحب من منطقة الخليج، وهو ما حصل بالفعل و جعل مهمة الإنجليزي أكثر صعوبة. استغرقت الرحلة حوالي العام من الهند إلى مسقط، ثم إلى ميناء بوشهر الإيراني حيث وظف مرشدا، ثم عاد إلى القطيف وقد وجد صعوبات في الوصول إلى الشاطئ بسبب عدم خبرة القبطان الإيراني، فأرسل رسولا إلى حاكم القطيف التركي، وتواصل مع الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة الذي كان يسيطر على قلعة الدمام فنصحا بالتوجه إلى سيهات وعدم محاولة الرسو في ميناء العقير، وبعدها توجه إلى الإحساء. وهنا تأكد أن إبراهيم باشا لا يرغب في الاحتفاظ بالأحساء، وأنه أعادها ليحكمها عرب بنى خالد الذين كان حكام آل سعود قد أبعدوهم، وفرض على هؤلاء تحصيل ضرائب لمصلحة الباشا تعويضا له عن نفقات حملته. لم يجد سادلير بدا من أن يتبع الباشا في القافلة التي ضمت الجنود الأتراك المنسحبين مع قائدهم محمد أغا الكاشف. أمل سادلير أن يلتقي الباشا في نجد، لكن إبراهيم غادر الدرعية والرس قبل وصول الضابط البريطاني بأيام، متوجها إلى المدينة فتبعه إلى هناك. وعند الدرعية علق: دمر سعادته الدرعية تدميرا تاما، ولم يبقِ من ذلك المكان إلا آثاراً قليلة، وبما أنه لم يكن ينوي حماية هذا المكان صار من الضروري تحويله إلى خرائب. في الطريق مرت القافلة بمنفوحة والرياض وكلتاهما هرب إليها بعض سكان الدرعية، ورغم البؤس الذي بدت عليه البلدتان فإنهما أعلنتا المقاومة، ورفضتا استقبال القافلة التي فيها سادلير لأنها تحت قيادة ضابط تركي، وأخيرا قبل أهلها تزويد القافلة بالمؤن مقابل أسعار مرتفعة، وقد أشار إلى وفرة مياه البلدتين وكثرة بساتين نخيلها، وذكر أن محصولهما السنوي من التمور قد استُهلك من قبل القوة التركية. وخلال إقامتهم في منفوحة علم سادلير بغدر الباشا بأربعة من شيوخ ٱل سعود، سبق أن شملهما برحمته، وتعهد بحمايتهما في المستقبل، إلا أنه عند انسحابه أمر مأمور الملابس بقتلهما، فدعاهم إلى وليمة تم فيها اغتيالهم. كان سادلير يأمل أن ينجز مهمته بالالتقاء بالباشا في الرس ومن ثم السفر الى البصرة ثم العودة إلى الهند، لكنه وجد أن عليه الذهاب إلى المدينة. في الطريق إلى المدينة مروا بواد غزير المياه يقول سادلير إن الوادي ما زال مكسوا بهياكل الوهابيين العظمية بعد المعركة التي انتصرت فيها جيوش الباشا على أرضها. بعدها وصل إلى الحناكية حيث استقبلهم قائد المخفر التركي، وقد أحسن ضيافتهم، وهو الوحيد الذي نال ثناء سادلير بغير تحفظ. و نظرا لأنه لا يُسمح لغير المسلمين بدخول المدينة فقد رُتب له أن يتجاوزها إلى أبيار علي حيث التقى إبراهيم باشا، هناك وأعلمه إبراهيم بأنه لا يستطيع أن يبت في هذا الأمر إلا بأمر من والده، و تم تحويل رسالة معتمد الهند البريطاني إلى محمد على في القاهرة، ونسخة أخرى إلى ممثل بريطانيا في مصر، انتقل المبعوث البريطاني من أبيار علي إلى ينبع ثم إلى جدة، وبعد أن انتهت مهمته بالفشل توجه الى ميناء مخا اليمني ومنه عاد إلى الهند. أتيح له خلال مًكثه في أبيار على ان يشاهد قافلة حجيج دمشق ومعها كسوة الكعبة، فوجئ بأن عدد الحجاج لم يكن كبيرا، وقيل له إن عددا كبيرا من الحجاج قد هلكوا في الموسم السابق بسبب نقص المياه. الصدر الأعظم أصدر أوامره بأن يعاد حفر جميع آبار الطريق، وقد تم الأمر جزئيا خلال ذلك العام، يقول سادلير إنه لم يسمع بأن حاجا قد هلك في عام وجوده. وهو يصف المدينة المنورة بناء على ما سمعه لأنه لم يرها، وقد لفت نظري قوله إن فيها ثلاثين كلية، أو بالأحرى مدرسةً للشباب، وذكر أنه قد أُرسلت إليها ستمئة صرة هذا العام، والمقصود بالصرة محفظة نقود تهديها الدولة لأشراف الحجاز. يعيش أهل المدينة على الهبات السنوية التي يرسلها أشخاص متعددون يرغبون أن تُؤدى العبادات نيابة عنهم. وكذلك يرسل الصدر الأعظم مبلغا كبيرا. في مسيرة القافلة إلى ينبع كانت الحامية تتألف من بعض فرسان الباشا العائدين إلى مصر، وبقايا البدو المغاربة العائدين إلى أوطانهم، وهؤلاء لم يتقاضوا على خدمتهم في جيش الباشا حتى ولو دولارا واحدا، ولهذا عاشوا على النهب، وساقوا معهم ثمار جهودهم، وهي تحتوي على جمال وخيول من كل الأعمار والأحجام مع نساء وأطفال وعبيد استولوا عليهم في هجمات النهب. وقد تمت سرقة جمال وخيول وحقائب من القافلة خلال إحدى ليالي الرحيل إلى ينبع. وصف ينبع بأنها: ميناء عربي تعيس محاط بسور متداع، حديث البناء سيئ الطراز، يحيط السور بمنطقة واسعة تتسع لخمسة أضعاف المنازل، ولذلك استُخدمت بعض الأمكنة لأكوام الروث والمقبرة وأحواض جًمعت فيها الخيول والجمال النافقة، مما أفسد هواء المنطقة. أصيب سادلير بالحُمى، ولعله يقصد الملاريا. ثم أبحر في مركب مكشوف استغرق أربعة أيام حتى يصل إلى جدة. يقول إن مدينة جدة حسنة البناء، فيها منازل عالية فسيحة لكنها لا توفر مأوى إلا لعدد محدود من الحجاج الأغنياء، أما الحجاج الفقراء فقد استنفذوا مدخراتهم في طريقهم الطويلة من الهند، وأصبحوا يتسولون في شوارع جدة التي امتلأت بهم، وقُدر عدد هؤلاء بثلاثين ألفا قدموا من الهند وما حولها، مثلوا له مشهدا هو الأكثر بؤسا من مشاهد التعاسة. الحكاية اللافتة للنظر هي أن سادلير أهدى للباشا سيفا مرصعاً بالذهب، قال الباشا إنه السيف الأكثر أناقة من بين ما رآه من السيوف، وعندما انتهت مهمة سادلير أبلغه الباشا أنه يعهد إليه باختيار حصان وفرس هدية إلى المعتمد البريطاني في الهند، تلقى سادلير الهدية ولكن لباس الحصان كان مفككا وكان رثا سبق استعماله، ولهذا رده، لأنه من غير اللائق ان يكون سرج الحصان المُهدى لنائب ملك بريطانيا في الهند باليا لكثرة الاستعمال، غضب الباشا، ومزق الخطاب الذي رد به على رسالة المعتمد البريطاني، وأبلغ سادلير أن الرد على رسالة المعتمد البريطاني سيرسل مع السيف الهدية عن طريق ممثل بريطانيا في مصر، كانت تلك نهاية غير ودية لمهمة سادلير الفاشلة. وقد اعتبر سادلير أن ما قام به الباشا كان بقصد الحط من منزلة السلطات البريطانية في عيون حاشيته. روى الكاتب معاناته مع بدو المنطقة ومع مرافقيه من الجند والموظفين الأتراك، ولكنه ترك أيضا شهادة مهمة سجل ما سمعه عن حملة ابراهيم باشا وما رافقها من وحشية.