تصيبني عادة زيارة الأسواق العامة بالغثيان، وإذا كانت أسواقاً نسائية، فالغثيان حتماً سوف يتصاعد إلى صداع وقرف، وأصّبحُ عدوانيا شاتما، وقد عشت سنوات مرة من ًالرفض المعلن، البارحة قذفني حظي، وزرت أحد الأسواق النسائية الكبيرة بمدينة الرياض، شعرت بتغير الحال، كنت على غير العادة، اتخذت لي موقعاً مناسباً وسط السوق، وخلقت حيلاً كثيرة، تسمح لنفسي بتفحص وجوه الخلق، أتأمل وجوه الكاشفة منهن، والتي من وراء حجاب، فجأة (!)، أقبل نحوي فاتحاً ذراعيه، ترتسم على وجهه ابتسامة جميلة، تطمئني أني لم أرتكب خطأ، تذكرت وجهاً يتجاوز الخمسين سنة من العمر، لكني بكل آسف لم أتذكر اسمه، ولا مكان معرفته، تكلم فعرفت أنه كان زميل وظيفة، عشت معه مرحلة معينة من العمر، كان بليداً في مهارات العمل، ومتسلقاً وكثير الغياب، ولكنه كان أنيقاً وجذاباً، يواجه تندر الزملاء وسخريتهم بأنه رجل مزواج بنفس الابتسامة الجميلة، كنت حينها في صف المدافعين عنه، حينما كانوا يغمزون بعدد مرات الزواج، وكثرة الزواج والطلاق، وسموه (صائد المدرسات) ونسجوا حوله كثير من الحكايات الخيالية، كانوا يختلفون حوله وتتعدد الأسئلة، وما إذا كان ذكياً أم غبياً ؟ الآن، أحاول أتذكر أسمه وقد نسيت، وإذا به يمد ذراعه لي مودعاً، ويشير إلى قافلة من النساء والأطفال، وما زال يحمل نفس تلك الابتسامة، وحينما فقدت شهية الأسئلة، سمعته قائلاً: -في أمان الله، خلني الحق الورعان! حينها شعرت أن أحدنا يعيش تبجحا كاذبا، فمددت خطواتي إلى الخارج. 2 - أحلام صديقي الذي كان في طفولته وصباه، يمشي نائماً في الليل، توقفت أحلامه، فتوقف عن المشي. 3 - حرة قالت لي السمراء: أبي زرعني سنبلة وقال لي لا تنحني حتى للشمس، وإن قبلت جبينك، ومضت. 4 - أوهام يمشي في بهو المطار، يتجاوزني بسرعة، يرفع رجليه عن الأرض في مشية جبلية، ويهز كتفيه، له نفس الطول والعرض، لم أنظر إلى وجهه، لكني أوشكت أناديه: - غرم الله!! أدركت في لحظة أن صديقي، قد رحل إلى الدنيا الآخرة، خلعت نظارتي ومسحتها، لألحق بالرحلة المغادرة. 5 - لحظة خاطفة لما مرت بنا، كان أبي يحرث الحقل بثيرانه، فبادرته مازحة، وساخرة: - تتزوجني؟ قال أبي بنفس النغمة الساخرة، وبلا تردد: - يخشعك الله! ضحكت بإثارة، وكأنها هزمته، مالت على قفاها، فجأة. سقطت من (رأس الثمالة) مرتفع عالٍ، كسرت رقبتها، وماتت المسكينة في الحال.