تشريح الذاكرة

ارتديتُ المعطف الفرائيّ في السوق القديم فانفتح قفص أرانب في رأسي، وثبَت مجموعة كبيرة من كتفيّ، عينيّ، من كفيّ، تسابقت إلى ممرّات السوق. الأرنب الذي بقي؛ يشبه الذي أخذته إلى المدرسة في صغري بلونه الرماديّ، رافقني طوال رحلة الحافلة وهو ينبض هلعًا كلما تجاوزنا مطباً في الطريق، ربض في درجي واختفى آخر ذلك اليوم فجأة، تبدد بلونه الدخانيّ. اجتمعت الأرانب عند أبواب المحلات، تكاثرت سريعاً فأنجبت كل منها عشرات الأرانب الصغيرة، سدّت مخارج السوق ومداخله، حاصرت الناس فلم يتمكنوا من تجاوز أكوام الفراء النابضة. كل بائع هتف بأسعار مضاعفة للفراء الجاهز: قطع تصلح للأرضيات والأرائك، سترات للرحلات، معاطف للشتاء بألوان مختلفة؛ رمادية، بنية وبيضاء، وعلى كل منها عيون قرنفلية صغيرة تتلصّص بخوف. تلمّس الناس المعطف الذي أرتديه، بعضهم كان يجرّه من الخلف، وآخرون كانوا يتحسّسون دفء جيوبه، خلعته خوفاً، اندلقت أحشاء أرانب كثيرة من جسدي، صرخ البائع متّهماً إياي بالغش والكذب: «لا تعودي إلى هنا ما لم ترغبي في الشراء»، التفتّ لأعيد ورقة دُوّن عليها سعره، باغتني وجه المعلمة، زجرني صوتها، وجدتُ نفسي عند بوابة المدرسة، وعلى الورقة علامة الرسوب في تجربة تشريح الأرنب وتحديد أسماء أعضائه الداخلية، وسؤال موجز عن «لون عينيه»، كنت قد تركته بلا إجابة. * الكويت