بين جـيلين.

إنَّ تداخل الأجيال وتنوُّعها عبر الزمن سنَّة ربَّانية ثابتة، إذ إنَّ لكلِّ جيل ظروفه الحياتية المختلفة عن الجيل التالي، ونحن في وطننا الحبيب المملكة العربية السعودية نعيش مرحلةً جديدةً لها خصائصها ومتطلَّباتها التي تختلف عن الماضي القريب، معلنين مولد جيل جديد له سلوك وتفكير مغاير لما سبق. وبما أني أنتمي إلى أحد الجيلين، فسأستعرض سلوكًا نشاهده من الجيل الحالي، يبيِّن حجم التغيير. فعندما نذهب إلى أماكن الترفيه المختلفة -ومنها المقاهي ونحوها- تتعدَّد المشاهدات، ومنها صفوف السيَّارات على المقاهي للجلوس بها وشراء المشروبات بأنواعها، وقبل أن يسمِّي الواحد بالله، يصوِّر ما طلبه، في منظر يتماشى دون شكٍّ مع روح العصر الحالي، وهذا يشمل جميع شرائح المجتمع، نساءً ورجالًا. عندما أرى ذلك المنظر أتذكَّر كيف كان الوضع قبل سنوات قليلة سابقة، حين لم يكن أحد يصوِّر طعامه، بل يُعدُّ ذلك عيبًا، حتَّى إنَّ ارتياد المقاهي في حدِّ ذاته كان عليه علامة استفهام. لا تستغربوا، تلك خصائص ذاك الجيل. أمَّا الآن ومع التغيُّرات المتزامنة، فقد وُلد سلوكٌ ونشأت طباعٌ جديدة صُبغت بروح العصر، تأثَّر بها الجيل الحالي حتى صار كلُّ ذلك وغيرُه متوافقًا مع المزاج العامِّ السائد. ومن الصعب أن نقول إنَّ هذا السلوك خاطئ، ولكن هي روح العصر، مَن أخذ بها فذاك نوعٌ من التطوير، ومَن توقَّف عندها فإنَّ الذاكرة البشرية والإعدادات الخاصَّة بها تنبئ بعدم تقبُّله أن يرقى إلى المرحلة الجديدة. وحقيقةً نحن بين جيلين، جيلٍ يعيش روحَ العصر بما فيه من تطوُّر ورقيٍّ قد يكون إيجابيًّا وقد يكون سلبيًّا، وجيلٍ آخر نقد بعضه بعضًا، ففريقٌ يقف على بوَّابة المرحلة الحالية في انتظار فرصةٍ إن وجدت، وفريقٌ يحاول أن يسابق الزمن ويهرول مع الجيل الحالي لعلَّه يصل إن استطاع! وأرى أننا في مرحلة ولادة جديدة قد تكون متعسِّرة، وما من تفاضل بين الأجيال، ولكن لكلِّ مرحلة دولة ورجال.