قراءة في حب «سعيد وصالحة».

قد يسخر مني البعض بسبب الحديث في هكذا موضوع ، حسناً.. برأيي أنه لا يوجد أي موضوع «سخيف» في الحياة. كل شيء، بما في ذلك السخافة ذاتها، يمكن أن يعطينا الكثير من الإدراك. السخافة بحد ذاتها منطق إدراك لا يستهان به؛ وذلك لأنها الجزء المخفي الذي يتعمد كثيرون تجاهله؛ في حين أنه يكشف لنا الكثير من الأسرار. في حالة الثنائي الشهير على مواقع التواصل «سعيد وصالحة» اللذين رسما معاً ما يشاع أنها حكاية حب معلنة ملمح مهم جداً، وبصرف النظر عن الارتباطات المعنوية الأخرى بالحكاية، والتي ربما أعجبت البعض، وأغضبت البعض الآخر، وأحدثت حالة جدل مجتمعي بسبب انتماء الاثنين للمكوّن القبليّ، إلا أن ما أنظر إليه الآن في حكايتهما ليست تلك الارتباطات والحيثيات، حالياً لم تعد تهمني حالة الجدل هذه لأنها فعلياً أصبحت مخاضاً مجتمعياً طبيعياً سيكون له ما بعده. إن الملمح الأبرز في تصوري هو صناعة الحكاية بحد ذاتها. فعلياً لا يهم ما إذا كانت حالة «الحب» المعلنة تلك حقيقية أم لا. يطرح كثيرون أن الاثنين سينفصلان مستقبلاً، وأستغرب تماماً هذا الجزم بهذه النهاية! ولماذا لا يستوعب البعض إمكانية نجاح زواج من هذا النوع؟ إن المسألة في تصوري لا تتعلق بوجود حب «جاد» بقدر ما تتعلق بنجاح صناعة محتوى «الحب»، صناعة وتجسيد الحكاية نفسها دون الحاجة للتأكد من مصداقيتها. إن الجمهور متعطش لهكذا حكايات ماثلة أمامهم تتجاوز ما في الأفلام والمسلسلات إلى حالة حية يومية. لقد نجح سعيد وصالحة في صناعة حكاية أبهرت كثيرين، وأغضبت كثيرين كذلك، بصرف النظر عن حقيقتها، أي بمعنى سواء كانت هناك مشاعر حب حقيقية أم لا فإن الاثنين قد تمكنا من تقديم محتوى جاذب سيعمل على البقاء فترة طويلة في صدارة وسائل التواصل «الترند». وبالتالي استفادة الاثنين من هذه الصدارة، وهذا هو عنصر الاستدامة في حكاية سعيد وصالحة، وليس وجود الحب من عدمه. إذن.. سيستمر هذا الزواج، وستُقدَم مادة الحب والرومانسية بأشكال عديدة؛ استجابة لطلب الجمهور المتعطش لهذا الجانب العاطفي. سيستمر الزواج، وحتى المشاعر المعلنة واللمسات العاطفية بين الاثنين طالما بقيت الحكاية التي يقدّمانها تدرّ عليهما الأرباح. هذا ما سيجعل الزواج مستمراً. ولكن في اللحظة التي يتراجع دورهما أو تخف الأضواء عليهما، أو حين تبرز حكاية أخرى/ محتوى آخر يسرق الأضواء منهما، ففي هذه اللحظة ستعود الحقيقة وحدها هي التي تحكم مصير حكاية سعيد وصالحة. هنا تحديداً يعودان إلى لحظة التجلي والصدق والكشف، وهل يمكن الاستمرار في مشاعر كانت تُسفك علناً أمام الجمهور؟ ما يهم الآن هو أن كثيرين، ومنهم محامون وإعلاميون وشخصيات كثيرة، فيما يبدو لا يزالون ينظرون إلى حكايات وسائل التواصل كما كان الناس ينظرون إلى شاشات التلفزيون في الثمانينات. إحدى النساء في الثمانينات أصيبت بمرض القلب بسبب ما فعله «محمد حمزة» في مسلسل «أصابع الزمن». هناك حالة براءة مستمرة تغلف إدراك الكثيرين منذ ذلك الزمن حتى اليوم. بعضهم عبرّ عن غضبه مما يقدمه سعيد وصالحة وغيرهما، وبعضهم أبدى إعجابه، والنوعان معاً في منطقة براءة ناقصة الإدراك، إلا أن أحدهما سلبي متوتر، والآخر إيجابي متصالح، والاثنان وجهان لسذاجة واحدة. شخصياً.. أتمنى لسعيد وصالحة الاستمرار والإنجاب والنجاح في زواجهما مثلما نجحا في تقديم محتوى يجذب شريحة من الجمهور. أتمنى أن يستثمرا فيما بعد مرحلة الأضواء، في الحب الحقيقي الذي يستمر بقية العمر مهما تقلبت الحياة. في النهاية سيذوب الجمهور وينتهي كل هذا الصخب ولن يبقى لكل منهما سوى صاحبه.