سياط الوقت

الساعة الخامسة مساءً كان موعد لقائنا… نهار ماطر. حضرت قبل الموعد بخمس عشرة دقيقة. اخترت طاولة مطلة على مقهى مجاور، والزجاج أمامي مزدان بقبلات السماء الماطرة. كان المطر وكأنه يسابق نبضي، ينساب ببطء ثم يتسارع وكأنه يشارك مشاعري القلقة. النادل: نهارك سعيد،كيف يمكنني مساعدتك؟ رفعت عيني إليه بصمت، كأنني كنت أحاول إعادة ترتيب فوضى الحديث الذي يدور داخلي. أجبته أخيرًا: عصير تفاح مع القليل من الثلج، وقهوة سوداء مع الثلج أيضًا. تأملني النادل للحظات، ربما لاحظ شرودي. قال بابتسامة لطيفة: أراك وحيدة، هل من طلب آخر؟ أجبته، وكأنني أتحدث إلى نفسي: لا بأس، سيأتي في الموعد… عدت أنظر إلى المقهى المجاور. السماء لا تزال معطاءة، تمنح المنطقة وابلًا من قبلاتها. القناديل المعلقة بدأت تتوهج إيذانًا باقتراب المغيب، والمقهى المقابل بقي خاويًا، كأن مقاعده تشكو من شحّ العشاق والمارين. النادل يعود مجددًا: هل أستطيع تقديم أي مساعدة؟ هذه المرة، نظرت إليه بعيون مثقلة، وقلت: نعم… قل لي، ما جزاء من يخلف وعده؟ تخيلت لوهلة أن لهذا المكان قانونًا خاصًا يعاقب على خذلان المشاعر، على تمزيق دقائق الانتظار. كيف يمكن لعقارب الساعة أن تتحول إلى سياط تلهب الرأس بوقعها البطيء القاسي؟ نظرت إلى الكأس أمامي، الثلج لا يزال متماسكًا، لكنه بدأ يذوب. حتى المشروب داخله بدا وكأنه يتوسل للثلج ألا يختفي، ألا يفقد آخر ذرة أمل في مجيئه. الساعة الآن التاسعة مساءً. النادل ينظف الطاولات. القناديل تضيء المكان بخفوت، كأنها تستعد للنوم. حان وقت إغلاق المقهى. نهضت بصمت، وقد شعرت وكأنني أخرج من زنزانة طويلة من السراب. كان الحساب مكلفًا، مكلفًا جدًا. في حاسبة الزمان، كان هناك فائض من الدقائق الثقيلة التي لم أستطع استردادها.