أهلاً بالعالم..

كانت الساعة الثامنة من مساء الحادي عشر من ديسمبر لحظةً لا تمحى من ذاكرة الوطن. استحق الوطن أن يحتفل في كل مدنه ومحافظاته، ليس بسبب الإعلان عن استضافة المملكة لمونديال كأس العالم 2034 فحسب، وإنما للحيثيات المصاحبة للإعلان؛ فالملف السعودي حصل على 419 نقطة من 500 وهي الأعلى طوال تاريخ كأس العالم. إنها لحظة إدراك لا ينبغي أن نتجاوزها دون أن نتوقف ملياً عند تفاصيلها.. عند مشاعر الفخر والاعتزاز.. عند شعور الامتنان بوجود وطن عظيم. إنها لحظة نجاح بحد ذاتها.. ها هي الدولة التي كانت تتعرض لهجوم ممنهج خلال سنوات سابقة إنها تحصل اليوم على أعلى نقطة تقييم في تاريخ بطولة كأس العالم. إن هذا لا يدل على شيء أكثر من البرهان القاطع على نجاح دولة ليس فقط في تصميمها لملف تنظيمي، وإنما قدرتها على انتزاع الثقة المستحقة التي لم تحصل عليها أي دولة استضافت كأس العالم من قبل. من الحيثيات كذلك التي تشهد على حجم الثقة التي تستحقها القدرة التنظيمية للمملكة أن مونديال 2034 هو الأول في تاريخ بطولات كأس العالم الذي ستكون فيه المنتخبات 48 منتخباً. هذا يعني أن هناك الكثير جداً من الجماهير، والوفود، والعمل الضخم الذي ستواجهه الجهات المعنية في حينها، وبرغم ذلك، وضع العالم ثقته في المملكة ومنحها – بالأغلبية – استضافة البطولة. إن هذه الثقة لم تأتِ من فراغ، لقد كانت الأشهر الماضية مليئة بالعديد من الفعاليات والمؤتمرات والمناشط الدولية التي استضافتها المملكة، لقد رأى العالم القدرة التنظيمية والإبداع في إدارة الحشود، سواء فيما جرى من استضافات وتنظيم للمناسبات المتنوعة، أو فيما يجري سنوياً من إدارة إبداعية لموسم الحج السنوي، والذي لا يشبهه أي مناسبة أخرى حول العالم في حشوده المليونية وطبيعته المعقدة المحصورة بمكان وزمان محددين. وعن الآثار التي ستعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني فلنا أن نتخيل أن اسبانيا بعد استضافتها لنسخة كأس العالم 1982 أصبحت من الدول الكبرى كنتيجة للتحول الاقتصادي الذي حصل لها بعد المونديال. أما ألمانيا فبعد استضافتها لمونديال 2006 فقد حصل لها تحول جذري في منظومة السياحة، وفي صورتها الذهنية في أوروبا وخارجها؛ حيث لم تكن السياحة في ألمانيا منذ سقوط جدار برلين كما أصبحت عليه بعد المونديال؛ وذلك بسبب صورتها الذهنية التي كانت تهيمن على الذاكرة الأوروبية عنها وعن النازية. كأس العالم في 2034 سيدشن عصراً سعودياً حاضراً على مستوى العالم كله، خاصةً أنه سيأتي بعد اكسبو 2030، الحدث الأضخم عالمياً لخلاصة ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية. إنها حكاية القرن الحادي والعشرين، حكاية النجاح السعودي الذي سيجتاح التاريخ كنموذج حضاري يلخص – بمهارة – كيف لهذه الصحراء أن تحيا من جديد لتعود كما كانت موطن حضارات وذاكرةً للتاريخ البشري.