عن مستقبل سوريا.. لست متفائلاً.

استيقظ السوريون في الثامن من ديسمبر الجاري على فجر جديد، فجرٍ يأملون من خلاله أن يمدّ بلادهم، وكذلك أرواحهم، بمستقبل جديد، وأمل مضيء. وأمام هذه النشوة التي انبثقت في قلوب كل الشعوب العربية تجاه سوريا فإن العقل يضع ألف عائق أمام انفلات العواطف. صحيح أن المشاعر سعيدة بشروق شمس جديدة، بعد عقود طويلة من الاستبداد والظلم والفشل في إدارة الدولة، إلا أن الذاكرة مثقلة بما يمنع من أن نمدّ آمالنا مع امتداد الخيال المصاحب لكل فجر جديد. فما هو الفجر الذي ينتظر سوريا ومن يملك القوة اليوم على الأرض هي فصائل ذات اتجاهات أيديولوجية تتبنى التطرف في الفهم الديني والسياسي والإداري؟ حسناً.. الآن يتم تداول فكرة أن هذه الفصائل سيتم ترويضها، وأن «الجولاني» هو النسخة الحديثة المتفهمة وربما (العلمانية) من القادة العسكريين الإسلامويين! أعتقد أن هذه التحليلات مستقاة من رومانسية خيال الأمل الذي نسجته درامية الأحداث في الأيام الماضية في لحظة تحييد تام للنظر والتدبر والتفكير المنطقي. فأي فصيل مسلح يمكنه – بعد أن يصل للسلطة – أن يتخلى عنها بسهولة؟ وطوال تاريخ التمرد العسكري خلال قرون، من الذي وصل للسلطة بقوة السلاح والغلبة ثم منحها لغيره؟ من الذي سيذوق من حلاوتها لبعض الوقت ثم يتركها بسهولة ليعطيها لآخرين؟ النشوة المصاحبة للأحداث الجارية في سوريا يجب ألا تنسينا ما ينتظر – منطقياً – المشهد السياسي السوري؛ فالصراع سيمتد ليشمل العديد من القوى والأحزاب والتنظيمات التي ستشرع في التزاحم على الكعكة التي تركها النظام السابق، وهي التي كانت تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر طوال عقود. حسناً لستُ محبطاً أو يائساً مطلقاً من مستقبل الوضع في سوريا، وإنما متخوف وقلق وغير متفائل. في هذه اللحظة أتأرجح فعلياً بين الفرح والرضا بما حصل، وبين القلق وعدم الاطمئنان تجاه ما أراه في قادم الأيام، وما يُثقل معرفتي عن كل سيناريو مماثل وقع طوال التاريخ. في حالة واحدة يمكنني أن أحصل على تلك اللحظة التي أشارك فيها كل الناس تلك النشوة، حتى لو جاءت متأخرة بعض الشيء، وهي حين نتأكد يقيناً أن الوضع بأكمله كان مخططاً له بعناية، وأن مصالح القوى العظمى قد اتفقت أثناء تفاهماتها على ترتيب كل شيء، وأن قادة تلك الفصائل لهم مهمة محددة، ثم سيتم تحييدهم ونزع أسلحتهم، ثم تسليم الأمر برمّته لقوى مدنية مؤهلة، أو تكنوقراط عملوا في حكومة النظام السابق، وأن كل شيء سيسير وفق سيناريوهات احترازية كتبت بعناية فائقة، في هذه اللحظة فقط، وبرغم صعوبتها أو خياليّتها هي الأخرى يمكن أن يكتمل الفرح حقاً بما جرى، برغم فرحي المبلل بالدموع حين تابعت مشاهد وصور السجناء وهم يتذوقون طعم الحرية بعد حرمان لسنوات، والكثير من المشاعر المختلطة. ولكن في نفس الوقت فإن ما أتصوره عن قادم الأيام وما أدركه جيداً عن جنون التشبث بالسلطة، وما أخافه من استبدال الاستبداد باستبداد، والسجون بسجون، والصراع بصراع آخر تتغير فيه فقط الأطراف، كل ذلك، يضع أمام استشعار درامية (الانتصار على الظلم والطغيان) ألف عائق عقلاني يرى ما ستمضي إليه طبيعة الأمور منطقياً.