أجبرت الظروف الصحية معالي الدكتور رضا محمد سعيد عبيد على الاستقالة من منصبه رئيسًا لمجلس إدارة مؤسسة اليمامة الصحفية، بعد عقود من العمل الدؤوب، قاد فيها المؤسسة بكل اقتدار وكفاءة، محافظًا على مبادئ الصحافة وجوهرها رغم كل التحديات، حتى غدت (اليمامة) صرحًا مهمًا من صروح الصحافة والإعلام في المملكة العربية السعودية. الدكتور رضا عبيد من مواليد المدينة المنورة عام 1355هـ (1936م) وبعد أن أتم تعليمه الثانوي، التحق بجامعة القاهرة التي نال منها درجة البكالوريوس في العلوم (تخصص كيمياء/ فيزياء) وذلك عام 1378هـ (1958م)، وعين في نفس العام معيدًا في جامعة الملك سعود التي كانت في بدايتها فآثر العمل بها على أن يعمل في وزارة المعارف، وقد روى بنفسه بداية عمله معيدًا في الجامعة لدى تكريمه في اثنينية الأستاذ عبدالمقصود خوجة رحمه الله، حيث قال د. رضا: “بعد أن حصلت على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة، التقيت في القاهرة - عن طريق العزيز الدكتور عبد الله الوهيبي - بمعالي الشيخ ناصر المنقور مدير عام وزارة المعارف في ذلك الوقت، وكتب لي خطابًا بالتعيين مديرًا للمختبرات بالوزارة، ولكن بعد أن رجعت للمملكة ووجدت جامعة الملك سعود قد فتحت، فآثرت العمل بها.. كيف لا وهي الطريق لتحقيق آمالي وأحلامي، وهكذا بدأت مسيرة العمل في الجامعة وكان مديرها الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام، وعميد العلوم الأستاذ أحمد مختار صبري (يرحمهما الله)”. وعن ابتعاثه للدراسة في بريطانيا قال د. رضا عبيد: “عندما تقدمت بطلب الالتحاق بالجامعة، جاءني خطاب من رئيس قسم الكيمياء الفيزيائية، يطلبني فيه للمقابلة وأداء اختبار القبول، وبعد الانتهاء من المقابلة الشخصية وامتحان القبول والنجاح فيهما، قلت لرئيس القسم: - وكان هذا في بداية يناير 1959م - لي ثلاثة طلبات: وقد تعجبون من الموقف، شخص في حجمي وهو أستاذ طويل كبير وبعد أن يقبلني ينظر إليَّ فإذا بي أشترط عليه، فاتسعت عيناه - وكأنني أنظر إليهما الآن - من خلف النظارة، وهو يريد أن يعرف ما هي هذه الشروط من هذا الطالب الَّذي تفضلنا عليه بالقبول؟ فقلت له: أريد أن تقبلني من الآن، وأن تكون دراستي تحت إشرافك، وأن يكون موضوع بحثي له علاقة بالصناعات البتروكيمائية؛ فقال لا بأس للطلب الثاني والثالث، أما الطلب الأول.. فالدراسة بدأت في سبتمبر ونحن الآن في يناير فقلت: بعثتي محددة ولا أستطيع أن أقضي وقتي في الشارع؛ وبعد محادثة من جانبه مع المسجل تم قبولي.. والوقفة هنا الصلاحيات التي يتمتع بها رئيس القسم؛ لم تجبرني أن أقابل عميد الكلية ولا مدير الجامعة”. قاده تفوقه ونبوغه العلمي لإنهاء دراسته العليا في وقت قياسي فنال درجة الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية (كيمياء البلمرة) من جامعة برمنغهام في بريطانيا عام 1382هـ (1962م)، ليعود بعدها إلى جامعة الملك سعود ويعين أستاذ الكيمياء الفيزيائية ووكيل عميد كلية العلوم، ثم عين بعدها بعام واحد عميدًا لكلية العلوم بالجامعة وظل في منصبه ذلك حتى عام 1971م، وكان وقتها أول سعودي يعين عميدًا لكلية العلوم، ثم صدر أمر ملكي بتعيينه رئيس مجلس الإدارة ورئيس المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا (مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية) عام 1398هـ (1977م) وظل في عمله بها حتى عام 1404هـ (1984م). وعن عمله في جامعة الملك سعود قال د. رضا عبيد: “عملت في الجامعة مدة عشرين عامًا معيدًا ومدرسًا وأستاذًا مساعدًا، وأستاذًا وعميدًا لكلية العلوم، وأشرفت على النشاط الطلابي، فكنت رئيسًا للجنة الاجتماعية العامة، فمشرفًا عامًا على النشاط الطلابي. ثم صدر التوجيه السامي الكريم باختياري رئيسًا للمركز الوطني للعلوم والتقنية، الَّذي أصبح مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، فقمت بإنشاء المركز ورعايته حتى أصبح صرحًا علميًا بارزًا؛ ثم جاء التوجيه الكريم لأنتقل إلى جامعة الملك عبد العزيز التي قضيت فيها عقدًا من الزمان ولي فيها أجمل الذكريات؛ ثم تُوجت هذه الرحلة الطويلة بعضوية مجلس الشورى”. مثل د. رضا عبيد جامعة الملك سعود في اجتماع اتحاد رؤساء الجامعات العالمية الذي عقد في سيئول عاصمة كوريا الجنوبية عام1968م، ثم زار معاليه 32 جامعة أمريكية عام 1969م للتعرف على أنظمة التعليم فيها وذلك بدعوة وتنظيم من مؤسسة (فورد) الأمريكية، كما مثل جامعة الملك سعود في اجتماع اتحاد رؤساء الجامعات العالمية الذي عقد في مونتريال بكندا عام 1970م. مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز في عام 1404هـ (1984) صدر أمر ملكي بتعيين الدكتور رضا عبيد مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وظل في منصبه ذلك عقدًا من الزمان شهدت خلاله الجامعة نقلة نوعية في مختلف الجوانب، حيث قام بتطوير البنية التحتية فيها وأنشأ العديدِ من المباني الحديثة للكليات بدلًا من المباني الجاهزة السابقة، فبات لكل كلية مبناها الحديث، كما أسهم في تطوير عمادة شؤون الطلاب، وعمادة شؤون الانتساب، ومركز الحاسب الآلي، والمكتبة المركزية، وقاعة الاحتفالات، ومركز المؤتمرات، ومطابع الجامعة، ومدينة الجامعة الطبية أو ما يعرف بـ (المستشفى الجامعي) التي تعد من أهم الإنجازات التي تمت في الجامعة، حيث تضم المدينة الطبية العديد من الأقسام المتخصصة وسكنًا للممرضات، وعلى الجانب الأكاديمي، اهتم الدكتور رضا عبيد بتطوير البحوث والدراسات العلمية والمشاركة في المنتديات الفكرية والعلمية العالمية. كما اهتم معاليه كثيرًا بالندوات الفكرية، ومنها على سبيل المثال: الندوة الفكرية الثانية لرؤساء الجامعات بدول الخليج العربي عام 1405هـ، والدورة الإقليمية للوقاية من الإشعاع النووي، التي نظمتها الجامعة بالتعاون مع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم التقنية عام 1406هـ، والندوة السعودية الأولى عن الطاقة واستخداماتِها عام 1410هـ تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أميرِ منطقة مكة المكرمة، كما اهتم بالأنشطة الطلابية ومن ذلك إقامة الدورة الرياضية الأولى لجامعات دول الخليج العربي، والتي نالت فيها جامعة الملك عبد العزيز المرتبة الأولى، بالإضافة إلى أنشطة اجتماعية وترفيهية مختلفة، وأندية طلابية تساعد على تنمية مهارات الطلاب، كالمسرح ونادي الاختراعات. إسهامه في تطوير التعليم العالي كان للدكتور رضا عبيد عضويات في العديد من مجالس الجامعات السعودية، فقد عين عضوًا للمجلس الأعلى بجامعة الملك سعود بمرسوم ملكي عام 1402هـ، وجددت عضويته لمدة ثانية، ثم عين عضوًا للمجلس الأعلى بجامعة أم القرى بمكة المكرمة بمرسوم ملكي عام 1407هـ، وجددت عضويته لمدة ثانية، كما عين عضوًا للمجلس الأعلى بجامعة الملك فيصل عام 1410هـ، وبعدها عضوًا في المجلس الأعلى بجامعة الملك فهد عام 1412هـ، كما كان عضوًا باللجنة التحضيرية للجنة العليا لسياسة التعليم بالمملكة. إلى جانب ذلك، كان معاليه عضو المجلس الأعلى لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية بموجب مرسوم ملكي عام 1406هـ لمدة ثلاث سنوات وقد تم تجديدها لفترة أخرى حتى عام 1409هـ، وعضو مجلس الأمناء للمعهد العربي الإسلامي للعلوم في ألمانيا بموجب مرسوم ملكي عام 1408هـ، ثم رئيسًا لمجلس الأمناء لمدة ثلاث سنوات بموجب مرسوم ملكي عام 1410هـ، وقد تم تجديد العضوية لمدة ثلاث سنوات، كما كان عضوًا في لجنة تطوير إستراتيجية العلوم في المنظمة العربية للتعليم والثقافة والعلوم، وعضوًا في مجلس الإدارة لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وممثلًا للمملكة العربية السعودية في مجلس الأمناء لجامعة الخليج في البحرين لمدة ثلاث سنوات، وعضوًا بالجمعية العمومية لمؤسسة الملك فيصل الخيرية لمدة ثلاث سنوات بدءًا من العام 1410هـ. عضوية مجلس الشورى ما إن انتهت فترة إدارته لجامعة الملك عبدالعزيز حتى اختير الدكتور رضا عبيد عضوًا بمجلس الشورى عام 1414هـ (1994م) حيث ظل في منصبه حتى العام 1998. نال الدكتور رضا عبيد الكثير من التكريمات، ومنها وسام (النجم الساطع) من رئيس جمهورية الصين الوطنية (تايوان) وسام (القائد المتميز) من رئيس جمهورية فرنسا، ووسام (الجدارة الألمانية الرفيعة) من رئيس جمهورية ألمانيا، ووسام (قلادة المعرفة لقادة مجلس التعاون الخليجي) من ملوك وأمراء دول مجلس التعاون الخليجي في دورة المجلس العاشرة التي عقدت في مدينة مسقط بعمان في 18/12/1989م. الاستفادة من الثروات غير النفطية والطاقة النظيفة يحسب للدكتور رضا عبيد إبان عمله كرئيس مجلس الإدارة ورئيس المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا (مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية) أنه كان من أوائل من ناقش الاستفادة من الثروات غير النفطية، ودعا إلى الاهتمام بمصادر الطاقة البديلة والنظيفة، وقد تحدث عن ذلك الأستاذ مشعل الحارثي في مقال نشرته جريدة (الجزيرة) حيث قال: “معلوم أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تأسست بموجب المرسوم الملكي الصادر في 18 ذي الحجة 1397هـ تحت اسم المركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا وقد تم تعيين معاليه رئيسًا لمجلس الإدارة ورئيسًا لهذا المركز في الفترة من عام (1977 - 1984م)، وفي هذه المحطة من مسيرته يحسب لمعاليه وقبل أكثر من (40) عامًا السبق في الاستفادة من الثروات غير النفطية والاهتمام بموضوع الطاقة البديلة والنظيفة، التي أصبحت اليوم مطلبًا عالميًا ملحًا قياسًا على ما يدور في عالمنا من تغيرات سياسية واقتصادية كبيرة، وذلك من خلال إطلاق أول حدث وانتصار علمي سعودي يبعث على الفخر والاعتزاز، ويعطي الدلالة الواضحة على اهتمام القيادة الرشيدة بمسايرة ركب الحضارة والتقدم والأخذ بأسباب العلم والتكنولوجيا والتقنية الحديثة وتوظيفها في مجالات التنمية والخدمات، وذلك عندما افتتح أمير منطقة الرياض آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز (خادم الحرمين الشريفين الآن) حفظه الله في منتصف محرم عام 1404هـ مشروع الطاقة الشمسية بالقرب من قرى الجبيلة والعيينة والهجرة على بعد (50) كلم من العاصمة الرياض، والذي بدأت فكرته عام 1399هـ، وكان باكورة عمل هذا المركز والهادف إلى توفير الكهرباء للقرى النائية والبعيدة عن الخدمات، وكواحد من أضخم التجمعات الشمسية في العالم، وما أعقبه بعد ذلك من تطوير ومشاريع وانتشار لمحطات الطاقة الشمسية بالمملكة ومنها (الجبيل وينبع نموذجًا)، ومن ثم فتح مجال الاستثمار في هذا الجانب حتى وصول المملكة لقائمة الدول العشر الأولى في مؤشر الطاقة الشمسية، وحسبي هنا أن أشير إلى جملة مهمة اختتم بها معاليه كلمته التي ألقاها في هذه المناسبة حيث قال: (إن المملكة لا تشتري التكنولوجيا الجاهزة وإنما تشترك في تطويرها وتطبيقها وتلك هي أفضل سبل التقدم في تقديرنا)، وهو بهذه العبارة يدفع بهمم أبناء البلاد وعلمائها إلى طريق العلم والمعرفة الواسع مؤكدًا على أن توطين التقنية والتكنولوجيا الحديثة أهم من استيرادها”. مشواره الصحفي بداية المشوار الصحفي للدكتور رضا عبيد كانت مع مؤسسة اليمامة الصحفية التي كان أحد رجال مرحلتها الأولى، حيث تقلد بعض المناصب الإدارية، كما شغل منصب نائب المدير العام أكثر من مرة، وفي عام 2003 أصبح عضوًا لمجلس إدارة مؤسسة اليمامة الصحفية، قبل أن يصبح بعدها رئيسًا لمجلس الإدارة، وكان من أول وأهم ما حققه هو إنشاء مبنى جديد لمؤسسة اليمامة الصحفية بعد أن حققت المؤسسة أرباحًا ونجاحات على الصعيدين الصحافي والمالي. وفي حفل تكريم رضا عبيد في اثنينية خوجة قال عنه الأستاذ تركي السديري رئيس تحرير جريدة الرياض: “كان حضور الدكتور رضا عبيد في مجلس إدارة مؤسسة اليمامة الصحفية حضورًا قويًا يتسم بتبني الأفكار التطويرية، والحوار مع من يعارض هذه الأفكار بكثير من الروح الرياضية، ولم يكن من السهل - أبدًا - تطويع مؤسسة صغيرة تعود أعضاؤها على جني بعض الأرباح المحدودة، لكي تبرمج قدراتها الصغيرة، لكي تكون كبيرة فيما بعد، ولكي تحول أهدافها من أهداف تجارية إلى أهداف ثقافية صحفية .في تلك الفترة عشنا صراعًا ليس بالسهل من أجل تأكيد: أن المؤسسة الصحفية هي مؤسسة وجدت من أجل خدمة الإعلام والثقافة، وليس من أجل خدمة أي هدف تجاري آخر، حدث خلط في تلك المرحلة بأن بعض مطابع المؤسسة سجلت - في بعض من هذه المؤسسات - على أنها منشآت تجارية تتعامل مع وزارة التجارة أكثر مما تتعامل مع وزارة الإعلام؛ وحدث نتيجة لذلك عملية فصل لمصدر الإمكانية المادية للمؤسسة الصحفية. والدكتور رضا عبيد من الناس الَّذين تحملوا الكثير من الغمز والكثير من التجريح في مناسبات النقاش، فيما كان يحاول هو وعدد من الإخوة الَّذين أرادوا تطوير العمل الصحفي وخدمته، من أمثال الأساتذة عبد الله القرعاوي، محمد بن صالح بن سلطان، محمد العجيان، محمد الحميدي، وعدد آخر.. الحقيقة لا تحضرني كل الأسماء، ولكن كان الدكتور رضا عبيد أكثر حضورًا وأكثر إلحاحًا وإصرارًا على أن تكون المؤسسة الصحفية في موضع خدمتها الإعلامية الصحيحة، بعض المؤسسات الصحفية - حينذاك - كانت تتجه إلى العمل التجاري خارج العمل الطباعي، ربما بشراء الأرض، وربما بتعاطي العقار؛ وكان هذا يثير بعض المساهمين في بعض المؤسسات الصحفية، والمجموعة التي كانت تنادي بتطوير العمل الصحفي صمدت في تلك الفترة، وكان الدكتور رضا عبيد خير من يناقش وخير من يحاور، وخير من يصر على الموقف الصحيح والسليم من أجل خدمة الكيانات الصحفية، والمؤسسة فكرت بهذا البرنامج، وفكرت بأن تصل بالعمل الصحفي إلى هذا المستوى المرموق، وكان الدكتور رضا عبيد من أبرز فرسان تلك المرحلة، ومن خيرة الرجال الَّذين عملوا من أجل الوصول إلى هذه الغاية، وكان - وكما تعرفونه - في مجالات العمل الأكاديمي والإداري هو ذلك النموذج الفاضل النادر التكرار في طيبته، في صدقه، في بساطته، في تواضعه، في قدرته على الإصغاء، وقدرته - أيضًا - على النقاش، وتقبل وجهات نظر الآخرين”. واليوم يترجل الدكتور رضا عبيد بعد مشوار حافل من النجاحات التي رافقته في كل مكان عمل فيه وفي كل منصب تقلده، والله نسأل أن يمن عليه بموفور الصحة والعافية ويجزيه خير الجزاء على تفانيه ومنجزاته التي تخلد ذكراه العطرة في مسيرة هذا الوطن المعطاء.