يحتفي بها أهالي المنطقة بمهرجان سنوي..

حلوة الجوف بين الشعر والرحالة.

عُرفت منطقة الجوف بأنها أرض الحلوتين مما بوأها مكانة على المستوى المحلي فرفعت من مكانتها الاقتصادية ولعل الزراعة من ضمن تلك الكنوز الثمينة التي قدّمتها لتكون (سلة غذاء المملكة) فالزراعة فيها متنوعة ومتعددة المجالات ولعل أقدمها زراعة النخيل التي تعد مصدر الدخل الاقتصادي الأول للمنطقة منافساً للزيتون فيها، فالمنطقة تحتضن ما يقارب 984.048 نخلة وتنتج 43.203 أطنان من التمور المتنوعة واللذيذة المذاق من أشهرها (حلوة الجوف) التي تغنى بها الشعراء وأثارت إعجاب الرّحالة المستشرقين الذين مروا بها مما يدعم شهرة هذه النخلة وتفوقها على غيرها من التمر في المنطقة. وفي منطقة الجوف يقام مهرجان التمور السنوي بدومة الجندل برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير : فيصل بن نواف أمير منطقة الجوف لعرض منتجات المزارعين من التمور، يتخلله جوائز قيمة للمزارعين. وأهل الجوف بشكل عام يكرمون النخلة بالماء من طلعة الجوزاء حتى نزول المطر قال الشاعر: اللي يريد الطلع يقصر ظماهن من طلعة الجوزاء لطيحات الأمطار فترد لهم الجميل وتكرمهم بلذيذ ما تنتجه من التمر. والتمر أنواع متعددة أفضلها (الحلوة) وأدناها (القسب) والأخير تمر جاف وفيه صلابة قال الشاعر غالب السراح : اليوم تمر القسب عندي طريفة من عقب ما نا كل مذنب حلانا فقد كان في السابق يستلذ طعم الحلوة مع رشفة فنجال قهوة أما الآن بعد أن طال به الزمن ولم يذق الحلوه فهو يتمنى لو يأكل أدنى أنواع التمر وهو القسب. وسميت النخلة بالغيد لأنها غضة يتثنى جريدها من اللين وزيادة الاخضرار والغادة المرأة الناعمة الجميلة . قال الشاعر ابن سراح: يا ماحلا والشمس يبدي شعقها من حدّر الزرقا على نقرة الجوف نسقي بها غيدٍ تساقط ثمرها تقلط نماها للمسايير وضيوف فالشاعر في غربته مر بعين الماء في الزرقاء في الأردن وكانت تجود بمائها الوفير فتمنى أن يحدّر هذه العيون أو العين إلى الجوف ليسقي بها النخيل الذي يقدّم نتاجه وجبة ترحيبية للضيف لحظة وصوله. وحلوة الجوف هي مطلب أهل البادية الذين يفدون إلى أسواق الجوف في وقت نضوج التمر ليقايضوا منتجات الماشية بحلوة الجوف قالت الشاعرة الشعلانية: يا راكب اللي توديني بنت الذلول الشرارية ذهابها من البساتيني تمر الحلا والحسينية وهنا شاعر آخر أيضاً يصور لنا سير القفل من قريات الملح إلى حوران والشام لمقايضة الملح وتمر الحلوة بما يحتاجونه من طعام وغيره حين قال : من كاف سقنا زواملنا متنحراً صوب حوراني من مملحة كاف حمّلنا حمل على الكيف يا فلاني بالتمر والملح بدلنا طعام للضيف والعاني وحلوة الجوف التي ذاع صيتها وبلغت شهرتها الآفاق، هي نوع من أنواع التمر لكن لها طعم مختلف وآسر لمن يتذوقه للمرة الأولى، علاوة على مكانتها العالية عند الجوفيين وأشهر ثمار النخيل وأطيبها، وهي التي أذهلت الرحالة الغربيين، وألهمت الشعراء الشعبيين ففي قصة الشاعر رجا بن عسل المسردي أحد شعراء مركز جاش بجنوب المملكة الذي فاضل بين تمر جاش وحلوة الجوف فقال: أحب وأحلا من بلح حلوة الجوف بلح نخل جاش عسى السيل يسقيه ماني على كثر المفاضل بمكلوف لكن جاش غالي عند راعيه ولم يكن تفضيل الشاعر لتمر قريته جاش نابع من جودته أو أنه أفضل من حلوة الجوف بل قال ذلك بدافع حبه لبلدته، وكما يقال حب الأوطان من الإيمان، وفي هذا دلالة على شهرة تمر الحلوة الذي تخطى شمال الجزيرة إلى بقاع بعيدة عن موطنها الأصلي التي ترعرعت وعرفت فيه. ويفتخر كثير من الشعراء الجوفيين بتقديم حلوة الجوف قدوعاً للضيف حين قدومه وكذلك تقديم لبن الإبل لهم بعد الغداء أو العشاء كما قال الشاعر عايش الكذيباء في إحدى قصائده : حطاطتن للضيف قبل المحاري تمر الحلا اللي مشترينه من الشرق مع در حمرا كر عن بالخباري حامينها عن دولة الغرب والشرق وهو هنا يقصد بـ تمر الحلا اللي مشترينه من الشرق(حلوة الجوف)، وقوله (در حمرا) يقصد به حليب الإبل. وعلى هذا السياق قال الشاعر: عايد رغيان الورده: بلادنا فيها ممر الطراقي وبيوتنا فيها مسايير وضيوف تذري عن المشتى ولفح الشراقي ومن جا لها يامن من الجوع والخوف نقدم الحنطة ورز العراقي ونعطي لبن بلنا على حلوة الجوف وهذا أيضاً ما عناه الشاعر: عابد الجلال حين قال : ‎لي جالك اللي يشتهون التعاليل … ‎من حلوة الجوبة نقلط قدوعه أما عن عشق أهل الجوف لهذه الحلوة وتفضيلها على غيرها من التمور قال الشاعر حامد مناور : الصيف لو ما به سوى حلوة الجوف ‏له حق نتحمّل حرارة شموسه ‏التمرة اللي من حلاها بها نوف ‏كأنها وسط الخفوق مغروسة وعلى الرغم من محبة أهل الجوف للحلوة إلا أن هناك أوقات لا يحبذونها مهما زادت حلاوتها ومن تلك الأوقات أوقات الغضب قال الشاعر ماجد الحثربي: لو حنطة البلقا معا حلوة الجوف ما تقبله نفسٍ عليها الطنا زام ولعل الشاعر طماح الرمالي جذبه طعم الحلوة الرائع ليشبه طعمها وحلاوته بعذوبة وحلاوة بعض الناس حين قال: ناس طعمها عنزروتــــه ومــــره وناس على كبدي كما حلوة الجوف و حلوة الجوف من الأشياء التي أثارت إعجاب الرحالة المستشرقين حين مروا على الجوف فامتدحها عدد منهم أثناء زيارتهم لها ؛ إذ قال «جورج أوغست والن» الذي زار الجوف عام 1845م: «إن تمور الجوف من أحسن الأصناف، ويَفْضُل طعمه على طعم تمور البصرة وبغداد، وكانت هي وجبتي الأساسية خلال إقامتي بالجوف». بينما قال جوليوس أويتينغ 1883م: «تمور الجوف عندما تكون طازجة، ولونها أحمر لها طعم لذيذ بشكل نادر، وعند النضوج التام تبدو وكأن العسل يسيل منها». ولا شك أنه يقصد بدلك ( حلوة الجوف). كما أعجب الرحالة «ألويس موسيل» عام 1909م، بـ «حلوة الجوف» حين قال عنها : «تتعدد أنواع التمور بالجوف، وأفضلها الحلوة ذات اللون الأسود، والتي تُخلط مع مسحوق «السمح»؛ حيث يمتص السمح عصارة التمر، وتسمى تلك الخلطة بـ»البكيلة». أما الليدي آن بلنت التي زارت المنطقة عام 1879م فقد وصفت الحلوة بوصف فاق الجمال حين قالت: إنه من الممكن صناعة السكَّر منها :(وكان علينا أن نشرب فناجين لا نهاية لها من القهوة المهيّلة، وأن نأكل مالا عد له من تمر حلوة الجوف، التي يقولون عنها : إنها الأفضل في جزيرة العرب، وهي ذات نكهة ممتازة؛ لكنها شديدة الحلاوة وشديدة اللزوجة …… وتحتوي على زيادة في السكر لدرجة حين توضع في طبق مكشوف تتحول إلى دبس يتكون فيه السكر بقطع كبيرة. ولا أشك في أن السكر العادي يمكن تصنيعه منها). وعن مذاق التمر في الجوف قال الرحالة البارون إدوارد نولده 1893م : ( والتمر في الجوف له بحق سمعة طيبة كأحسن تمر في العالم، وذلك بسبب مذاقه الطيب). ولعل الرحالة قال إس إس بتلر عندما زارها في عام 1908م ووقع أسيراً لـ لذة مذاق تمرها ليفضله عن غيره من التمر: ( لأن تمرها كبير ولذيذ الطعم ومشهور بأنه أطيب تمر في شمال شبه الجزيرة العربية). ولم يكن الأديب: عز الدين التنوخي أقل منهم حين امتدح تمرها فقال: (ولتمر الجوف شهرة ذائعة، وهو ذو أصناف جمَّة لذيذة جداً لم أذق، قبل أن رأيت الجوف في حياتي، تمراً ألذ منه، وأظن أن النابغة كان في دُوْمَة إذ وصف التمر بقوله: ‏‎صغار النوى مكنوزة ليس قشرها إذا طار قشر التمر عنها بطائر). وعلى الرغم من اللذة التي ينتشي لها من ذاق حلوة الجوف إلا أنها ألذ وأشهى حين تخلط أو تعجن مع السمح والسمن البري بما يسمى البكيلة فهذه أيضاً عالم مستقل من اللذة . وبين الشعر وأحاديث الرحالة وشهرة حلوة الجوف إلا أن المنطقة لا زالت تبحث عن مصنع لإنتاج التمر ودبس التمر والبكيلة.