(فتى المول) مسرحية بأداء كوميدي جذبت الجمهور، وجمعت بين الأجيال وعصرنت الواقع بأمنيات الماضي. بعد سنوات من التحول الذي شهده المجتمع السعودي في ظل الرؤية الوطنية والتي أسهمت في نقل المجتمع السعودي من الانغلاق الى الانفتاح، ولعل أبرز ملامحه تمكين المرأة السعودية ومشاركتها الاجتماعية في جميع المجالات لتصبح مشاركة في التنمية الاقتصادية والتعليمية والثقافية للوطن، لكن في أي مجتمع عندما يحدث فيه تحولات تكون له بعض الآثار والانعكاسات في بداياته لا سيما على جيل الآباء الذي عاش قترة الانغلاق وغياب المرأة عن مسرح الحياة الاجتماعي ويصطدم مع التحول بواقع اجتماعي مختلف تشارك فيه المرأة مع الرجل في العمل والشارع والأسواق . كان لابد بعد هذه السنوات من التحول المجتمعي تشكل أدب سعودي يمكن تسميته (أدب الرؤية الوطنية)، حيث يقوم بقراءة التحولات الاجتماعية من خلال القصة والرواية والمسرح والفن التشكيلي والأفلام. الروائي والقاص محمد المزيني اختار أن يطرق باب أدب الرؤية من خلال (مسرحية فتى المول) التي عرضت على مسرح الكلية التقنية بالرياض من تأليفه وإخراج (عبد الملك المزيعل) وإشراف (فهد الحوشاني) بطولة الفنان عبد العزيز السكيرين ومشاركة الفنانة عجيبة الدوسري وعدد من النجوم الشباب الواعدين وهم( سارة بهكلي وتركي العنزي وحمدان الحمدان وعهود النفعي وبحضور نخبة من الأدباء والمسرحين والإعلامين . تناولت المسرحية في فكرتها أثر التحول على جيل الآباء، والصدمة التي يعيشها في ظل الانفتاح والتحول الاجتماعي، لدرجة تصل إلى الانفجار السيكولوجي والعاطفي والذي جسده البطل (السكيرين) حينما وجد نفسه مسؤولاُ في العمل عن ثلاث بنات من الجيل الجديد، وتدور أحداث المسرحية من خلال المراهقة المتأخرة التي بدأ يعيشها (بوعلي) فأصبح يتناول قهوته الصباحية كل يوم قبل الذهاب إلى العمل في (المولات) ويتأنق في هندامه ويستخدم أغلى العطورات، لاستعادة ما فقده من سنوات شبابه في ظل الحياة الزوجية النمطية والتقليدية التي افتقدت لأبسط معاني الأحاسيس التي يحتاجها الرجل مع الزوجية، وتناولت المسرحية التحول الاجتماعي بطريقة كوميدية من خلال أسرة سعودية تتكون من (الأب والزوجة والابن والبنت) والمسافة التي أصبحت شاسعة بين جيل الآباء والأبناء. ركزت المسرحية على تصارع ثقافتين الآباء والابناء ليس في اللباس والأكلات والمفاهيم، ولكن في جميع التفاصيل صراع بين الماضي الذي حاول الأب الخروج منه بالتعايش مع ثقافة العصر والأم التي حاولت تظل متمسكة بمفاهيمها المجتمعية أن دور المرأة تهتم بالبيت والابناء ولو على حساب نفسها وزوجها، وانعكس ذلك من خلال المفردات والملبس والأبناء الذي سيعيشون عصرنة الواقع بكل مستجداته، ويحاولان انقاذ سفينة البيت من خلال الدفع بالأم إلى الاعتراف بالواقع الجديد والتعايش معه في لبسها وتأنقها واهتمامها بنفسها وزوجها. عرضت المسرحية بأداء كوميدي جذب الجمهور، والذي تفاعل معها وبرع الفنانون في أداء الأدوار وبالأخص (أم علي) الفنانة (عجيبة الدوسري) التي أبدعت في تصوير تحول المرأة من التقليدية إلى العصرية. وقبل النهاية ترك المخرج للجمهور استيعاب الحبكة للمسرحية لم يكشف لجمهوره اتفاق بنت (بوعلي) مع زميل وصديق والدها في العمل التقدم لخطبتها، وتوافق عليه لتجد رفضاُ من الأب للفوارق بين الأجيال وهو ما يجعله يعود لوعيه وواقعه. ينجح الابناء في اقناع والدتهم (أم علي) أن تهتم بأنوثتها وتتخلص من المفاهيم السابقة وإقناع والدهم (بو علي) على أنه يجب أن يتعايش مع الواقع الجديد بتغيير نمط حياته، وليس بتبني مفاهيم لا تتناسب مع عمره، وتختتم المسرحية بصرخة أخرجت واقعاً مكبوتاً في داخل جيل الكبار مع زوجاتهم بسبب المفاهيم الاجتماعية المغلوطة وثقافة العيب السـابقة حينمـا زلزل (بوعلي) المسرح بصرخة حركت مشاعر القلوب وأشعلت ما هو مدفون قابلها الجمهور بصفقات ساخنة ترددت أصداءها مع بوعلي وهو يقول (احبببببببك ياأم علي) وحول المسرحية يقول الروائي عبد العزيز الصقعبي سألني أحد الأصدقاء هل لديك رغبة لمشاهدة مسرحية «فتى المول» مرة أخرى، هذا السؤال بعد مغادرتنا قاعة المسرح، أجبته بنعم لعدة أسباب، أولها أن المسرحية اجتماعية تناقش فئة من كبار السن الذين يمتلكون «قلباً أخضر» ولا يريدون أن يشعروا أن هذه أيامهم الأخيرة في الحياة عند إحالتهم على التقاعد، أو وصولهم لسن الشيخوخة، فيبحثون عن المتعة البسيطة التي تشعرهم أنهم لا يزالون أحياء، بالطبع الأسرة هي القاعدة المهمة لإحساس هؤلاء الكبار، وبالذات الزوجة، وأحداث المسرحية تناقش بصيغة كوميدية وضع ذلك الرجل الأب الذي قارب سن التقاعد وأسرته وبالأخص زوجته، هذا أولاً، ثانياً شغف الممثلين بأداء الدور وتحديداً الزوجة « عجيبة الدوسري» وتقمص الزوج أو الأب «عبد العزيز السكيرين» لدور الرجل ذي القلب الأخضر الذي يبحث عن المتعة حين يفتقدها بالبيت، وبالطبع بقية الممثلين وفق أدوارهم، الأمر الثالث بساطة الفكرة وقربها للمجتمع ومواكبة الإخراج للنص، دون حشو أو خروج عن النص والعمل يغري بالخروج عن النص في مواقع كثيرة، ولكن وهذا أمر جيد التزم العرض بأن يكون مهيأ لمتعة المشاهدة من قبل الأسرة. تجربة جيدة لمسرح غير نخبوي، يوجه للمجتمعات البسيطة من خلال عرض ممتع بسيط يحمل رسائل مفيدة.