بلاد العرب كانت خضراء وستعود خضراء.
استضافت المملكة في الرياض من 2 إلى 13 ديسمبر 2024م، الدورة السادسة عشرة لمؤتمر الأطراف (COP16) لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، وهي أكبر دورة تعقدها الأمم المتحدة حتى الآن والأولى التي تُعقد في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. تحت شعار «أرضنا. مستقبلنا»، يجمع مؤتمر الأطراف السادس عشر 197 طرفًا، بما في ذلك 196 دولة والاتحاد الأوروبي، لمواجهة التحديات العاجلة المتمثلة في التصحر وتدهور الأراضي والجفاف . وصاحب هذا المؤتمر إقامة منتدى بالمنطقة الخضراء، بعنوان «استدامة المياه من أجل مستقبل أخضر» خلال الفترة من 4 إلى 12 تنظمه وكالة المياه وشمل عدة جلسات علمية رفيعة المستوى بمشاركة منظمات دولية وقادة قطاع المياه والأعمال وخبراء ومختصين من داخل المملكة وخارجها. إنه ومما لا شك فيه أن للجيولوجيا دورا رئيسا في تحقيق رؤية ”السعودية الخضراء”، التي من أهدافها زراعة 10 مليارات شجرة، وهو ما يتطلب دراسة جيولوجية ميدانية تفصيلية لضمان نجاح هذه المبادرة الطموحة، وذلك لتعزيز التنمية المستدامة، والعمل على حد تأثيرات التغير المناخي وانبعاث الكربون، وزيادة الغطاء النباتي، وذلك لحماية وتحسين البيئة. تمثل الجيولوجيا المرتكز لمبادرة “السعودية الخضراء”، حيث تدعم الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، وتعمل المبادرة على تعزيز البحث العلمي والابتكار في تقنيات الاستكشاف الجيولوجي، وإدارة الموارد الطبيعية، واستعادة الأنظمة البيئية. ولقراءة «التاريخ الحيواني والنباتي» لجزيرة العرب لابد للرجوع إلى مختلف أنواع التواريخ: 1) الطبيعية الجيولوجية الأحفورية، 2) تاريخ ما قبل التاريخ للبشرية من خلال الرسوم الصخرية، 3) الواقع المعاصر، وأخيرًا 4) النظرة المستقبلية. •التاريخ الجيولوجي: وهو تاريخ يمتد لمئات الملايين من السنين وبتتبع رحلة جزيرة العرب ضمن البلاطة الأفريقية ثم البلاطة العربية، ومواقعها بالنسبة لخطوط العرض، وحركتها عكس عقارب الساعة، حتى موقعها الحاضر. لقد استغرقت رحلة البلاطة العربية ألاف الملايين من السنين عبر دوائر العرض، من شمال دائرة الاستواء إلى جنوبها، حتى القطب الجنوبي، ثم العودة شمالًا مرورًا بدائرة الاستواء، إلى موقعها الحالي عند دائرة السرطان. إن لكل موقع من مواقع هذه الحركة صفات مناخية، وحيوية، وبيئات ترسيبية، وخصائص صخرية، تختلف من موقع لآخر، وهذا ما انعكس على التنوع المناخي، والتتابع الطبقي لطبيعة الصخور وتنوعها، وثرواتها الطبيعية. لقد تنوعت الصخور وبيئات ترسيبها وتغيّرت الظروف المناخية خلال هذه الرحلة. الأحافير: لقد تعرضت البلاطة العربية لفترات متناوبة كساها الجليد، وغمرتها البحار، وانحسرت عنها، وغطتها الغابات، وانتشرت عليها الحيوانات بمختلف أنواعها، وهذا مثبت في السجل الجيولوجي من خلال ما تم العثور عليه من آثار للزحف الجليدي، وأحافير لأشجار متحجرة، وطبعات لأوراق نباتات، وحبوب لقاح، وكذلك أحافير لعظام الماموث أو المستودون (الشبيه بالفيل) التي عُثر عليها في المنطقة الشرقية، وحتى الديناصورات التي عُثر على عظامها في مدين في أقصى شمال غربي المملكة. إن في هذه أدلة على أن بلاد العرب كانت وعلى فترات مروجًا وأنهارًا ... •تاريخ ما قبل التاريخ: وهو تاريخ يمتد لآلاف السنين تاريخ ما قبل التاريخ، تاريخ وثّقه الإنسان القديم محفورًا منقوشًا على واجهات الصخور في مختلف مناطق جزيرة العرب، رسومات لمختلف أنواع الحيوانات العاشبة والمفترسة، ورسومات لأنواع من الأشجار، ومثال ذلك ما خلّده جبل ياطب من رسومات لحيوانات وأشجار باسقة، وهناك آثار لآلاف البحيرات الجافة في نفود عالج والربع الخالي وغيرهما. إن في هذه أدلة على أن بلاد العرب كانت مروجًا وأنهارًا ... •الواقع المعاصر: وهو تاريخ يمتد لمئات السنين تاريخ وثّقه الإنسان مرسومًا ومكتوبًا حول الجفاف والصحراء والتصحر، تاريخ جفت فيه الأنهار والبحيرات، وانقرضت الحيوانات، إلا القليل منها، وأتت التجاوزات البشرية فكادت تقضي على البقية الباقية من أعشاب وشجيرات (رعي مفرط)، ومن أشجار (الاحتطاب الجائر)، وأهلكت وبأسلحة فتاكة ما بقي من حيوانات (صيد عشوائي). إن في هذه أدلة على أن الحياة الفطرية نباتية وحيوانية هي في خطر محدق، وآن الأوان لتدارك الوضع، لذا تحركت الجهات ذات العلاقة باتخاذ ما يحول دون تدهور الوضع، بل والعمل على مكافحة التصحر وحماية البيئة ... •المستقبل: بجانب ما يتم سنّه من أنظمة صارمة في حماية البيئة وتطبيقها، وما يتم تنفيذه من مشروعات طموحة في مكافحة التصحر وغرس مليارات الأشجار، نتطلع إلى المستقبل من حيث ما رسمه المبعوث رحمة للعالمين سيدي محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يكتف بتقريره أن بلاد العرب كانت مروجًا وأنهارًا، بل وأكّد بأنها ستعود مروجًا وأنهارًا، هذه النظرة المستقبلية المتفائلة، وهذه الجهود الحثيثة تجعلنا نكاد نرى مروج وأنهار بلاد العرب شاخصة أمام أعيننا. * رئيس مجلس إدارة تعاونية «الجيولوجيون السعوديون»