د.عبدالعزيز خوجة يكتب عن د.رضا عبيد..

مرشدي الذي أنار لي معالم المعرفة.

يحق لي أن أقول إنني أعرف الدكتور رضا عبيد منذ أكثر من 60 عامًا، ربما منذ أن كنت طالبًا في كلية العلوم بجامعة الرياض (جامعة الملك سعود)، آنذاك كانت كلية العلوم في الواقع تنتظر بفارغ الصبر أستاذاً سعودياً في أحد التخصصات، سواء في الكيمياء أو الجيولوجيا او غيرها من الفروع، بالطبع كانت الكلية تزخر بأساتذة كبار من جميع بلدان الوطن العربي، وكانت بداياتها عظيمة جدا، ولكن كم كان فرحنا كبيرًا للغاية ونحن لا نزال طلابًا بقدوم أول أستاذ في علوم الكيمياء وهو الدكتور رضا عبيد، الذي تخرج من جامعة برمنجهام ببريطانيا، وقد فرحنا به فرحًا كثيرًا جدًا، كان ممتلئًا بالشباب والعنفوان، وبالعلم والتواضع، وكانت الابتسامة تعلو وجهه في كل الأوقات، وفي الحقيقة ،فمنذ اليوم الأول أصبحت الصلة أو الثقة بيننا كبيرة جدًا، بين طالب في السنة الثانية بالجامعة وبين أستاذ كبير في الكيمياء، وكنا نترقب وننتظر محاضرته بفارغ الصبر ونحيط به حين يدلف إلى القاعة، كان عددنا مهما زاد يظل قليلًا، أظن لم نكن نتجاوز أصابع اليد أو أكثر قليلًا، وكانت الفائدة كبيرة جدا، وفرحنا فرحًا شديدًا، وأحطنا به وأحاط بنا، وتوثقت علاقتنا، وبفضل الله كنت أحد الطلاب المتميزين في ذلك الوقت، فأحاطني برعايته ومضت سنوات الدراسة، وتحصّلت على تقدير يؤهلني أن أكون معيدًا في الجامعة أو مبتعثًا، وقد نصحني الدكتور عبيد بدراسة الدكتوراة في نفس الجامعة التي تخرج منها في بريطانيا. كنا أكثر من طالب درسنا على يديه، وكانت علاقتنا أكثر من مجرد علاقة طالب وأستاذه، وقد سمعت نصيحته وأكملت دراستي في جامعة برمنجهام بالفعل، وكان الابتعاث أيضا بنصيحة من معالي وزير التعليم آنذاك معالي الدكتور حسن بن عبدالله آل الشيخ (رحمه الله)، وكان الدكتور رضا عبيد يزورنا أحيانا في الجامعة هناك وكنا نستفيد من نصائحه وتوجيهاته ، وتخرجت من جامعة برمنجهام وحصلت على الدكتوراة في الكيمياء العضوية، لكن ظلت العلاقة متصلة بيني وبين معالي الدكتور عبيد ولم تنقطع منذ ذاك، فكنت أزوره في كل وقت أذهب فيه إلى الرياض، وقد تقلّد مناصب عديدة وقد نجح فيها، وكان رائدًا من الرواد في كل مكان التحق به، حتى عاد إلى جدة وأصبح مديرًا لجامعة الملك عبدالعزيز، كنت حينها أنا في منصب وكيل وزارة الإعلام للشؤون الإعلامية، وكانت رغبة الملك فهد (رحمة الله عليه) أن أنتقل إلى جامعة الملك عبدالعزيز فاستقبلني الدكتور رضا حينها، وخيّرني بين أن أتولى منصبًا إداريًا معه، أو أن أعود إلى التدريس، ففضلت أن أعود إلى التدريس تحت قيادته، وبالفعل درست لمدة عام ونصف تقريبًا، وكنا سعداء للغاية بإدارته العظيمة لجامعة الملك عبدالعزيز، وبإعادة الصلة الحميمية القريبة منه، فكنا نلتقي دائما حتى أراد الله سبحانه وتعالى وصدر أمر الملك فهد بان أكون سفيرًا في تركيا، فتركت الجامعة وأصبحت سفيرًا في تركيا ثم روسيا والمغرب ولبنان، وبعد ذلك وزيرًا للثقافة والإعلام، ولكن طوال هذه الفترة لم تنقطع صلتي بالدكتور عبيد، كنت أقف دائمًا أمامه موقف الإجلال، موقف التلميذ امام المعلم الكبير والأستاذ الذي فعلًا أرشده في أول الطريق، وأنار لي الكثير من معالم المعرفة، ليس فقط في الكيمياء أو الكيمياء الفيزيائية وغيرها، ولكن أيضا في كثير من المناحي الحياتية، وتعلمت منه بالفعل بالإضافة إلى العلم؛ الخلق الطيب والمعاملة الإنسانية الطيبة والإدارة الحازمة والتواصل الإنساني الحميمي الكريم. الدكتور رضا شخصية عظيمة، شخصية وطنية بارزة، يستحق بالفعل كل تكريم، ويستحق فعلًا ان نشير إليه بالبنان، لأنه أحد رموز هذا الوطن النبيلة الشريفة المخلصة، حيث خدم هذا الوطن بكل إخلاص وبكل تفانٍ، ويكفي أنه علّم الكثير والكثير من الطلاب والتلاميذ الذين هم الآن ينتشرون في هذا الوطن ويستفيد منهم هذا البلد العظيم. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم الصحة على أستاذنا الكبير، الدكتور رضا عبيد، ولن ننساه أبدًا، ولن ينساه الوطن، ولن تنساه مؤسسة اليمامة الصحفية، ولا زملاؤه في كل مكان، سواء في الصحافة أو في سلك التعليم والجامعات، نسأل الله له الصحة، وأن يرى تلك الفرحة في أبنائه، سواء أبنائه من صلبه أو أبنائه الذين تعلموا على يديه والمنتشرين في كل مكان.