تاريخ معرض جدة:

الخشرمي وجها لوجه أمام محاولة الاغتيال!

في ذكريات لا تُنسى ومسيرة مليئة بالتحديات، يفتح اول مدير لمعرض جدة الدولي للكتاب الشاعر والناشر عبد الله الخشرمي صفحات من تاريخه الطويل مع معرض جدة الدولي للكتاب، كاشفًا تفاصيل غير معروفة حول بدايات تأسيس المعرض من الغرفة التجارية بجدة، والعقبات التي واجهها، وصولًا إلى جعله واحدًا من أبرز معارض الكتب في العالم العربي. في حديث خاص، يتحدث الخشرمي عن لحظات حاسمة، من تهديدات شخصية ومحاولات اغتيال، إلى دعم مؤثر من شخصيات بارزة، في مقدمتها سماحة مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ. هذه القصة الاستثنائية تكشف عن شجاعة المثقف في مواجهة التحديات، وعزيمته الراسخة في تحقيق حلم ثقافي أصبح اليوم منصة رائدة لدعم الثقافة والمعرفة. وهنا تفاصيل الحكاية التي خص بها الخشرمي ملحق شرفات: سبع سنوات من التأسيس (قبل سبع سنوات من افتتاح معرض الكتاب، أي منذ عام 1993، كنت أعمل على تأسيس هذا المشروع. في ذلك العام تحديدًا صدرت واحدة من أشهر المجلات الإبداعية في تاريخ المملكة، وهي مجلة “النص الجديد”، التي انطلقت من قبرص. كانت تلك المجلة بمثابة محاولة لتأسيس حضور ثقافي قوي، وقد رافقتني تلك الجهود طوال سبع سنوات من التخطيط والتحديات التي واجهها المعرض قبل أن يرى النور. المناع سلمني الملف الراحل الكبير الأستاذ عبد الله مناع -رحمه الله- كان له دور أساسي في تحفيزي، فقد سلمني ملف معرض الكتاب وقال لي: “أنت صاحب الفكرة، أرنا إذا كنت قادرًا على تأسيسه”. خلال فترة وجيزة، حصلنا على موافقة من الديوان الملكي، والحمد لله، تحول المعرض إلى واحد من أهم المعارض العربية. لقد كان ذلك إنجازًا كبيرًا، وأذكر أنني عملت على تأسيس المعرض مع صديق عملاق مميز، وكانت الغرفة التجارية -حيث كنت حينها رئيس تحرير مجلة “التجارة” ورئيس اللجنة الإعلامية الثقافية- هي المحرك الأساسي لنجاح هذا المشروع واستمراريته حتى اليوم. محاولة الاغتيال لكن النجاح لم يكن سهلًا؛ فخلال تلك الفترة تعرضت لتهديدات خطيرة وصلت إلى محاولة اغتيال. وهذه هي المرة الأولى التي أفصح فيها عن هذا الأمر بشكل مباشر. الشخص الذي حاول اغتيالي وصل إلى مكتبي بالفعل، وكنت قد طلبت من مدير مكتبي، عبد الله العطاس، ألا يغلق المكتب حتى لا يصبح هناك أكثر من ضحية. ورغم تهديدات الأصدقاء الذين طالبوني بالانسحاب والبقاء في البيت قبل افتتاح المعرض، رفضت ذلك بشدة. لم أكن أرى الانسحاب خيارًا، لأن الرسائل التوعوية العظيمة لا يمكن أن تنهض بها جبناء. مكالمة سماحة المفتي أتذكر مكالمة هاتفية مع سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ -حفظه الله- الذي كان له دور محوري في إنقاذ المعرض. خلال تلك المكالمة، أكد سماحته دعم المشروع وأوضح أن من أسس هذا المعرض ليسوا كفارًا أو ملحدين، بل مؤمنون بأهمية الثقافة والعلم. ومن خلال هذه المكالمة، التي كنت أنقل تفاصيلها عبر الهاتف للدكتور أنور عشقي، استمع إليها الشخص الذي كان يخطط للاعتداء عليّ، تراجعت التهديدات وانقلبت الأمور لصالحنا. كنت أقول للدكتور عشقي ان سماحة المفتي قال لي حرفيا والله اننا وجدنا أن معرض جدة هو معرض للكتاب الإسلامي أكثر منه معرضا للكتاب الادبي. كنت اردد ذلك وأحلف بالله ان ذلك ما قاله لي سماحة المفتي. وبعد أن سمع ذلك الشخص الذي كان ينوي الاعتداء علي هذا الجزء من المكالمة لاحظت عليه الانكسار ليتجه للنافذة المطلة على البحر في مكتبي ويبدأ بالاستغفار وابداء الندم. وقد فضلت عدم تبيلغ الجهات الأمنية المختصة وقتها لأني كنت اريد التعامل معه بسلاسة وخاصة ان ضميره استجاب بعد مكالمة سماحة الشيخ واتجه للزجاج وبدا بالتراجع عن الاقدام واستحلفني بالله هل كلمك الشيخ! أجمل رواياتي هذا الموقف وغيره من المواقف شكلت أجمل روايات حياتي التي لم أشاركها من قبل، إلا في مكتبة الملك فهد العامة. وأشير هنا إلى أن محمد القشعمي، الرائد التاريخي في توثيق الأحداث، قام بتسجيل سيرتي الذاتية على مدى أربع ساعات، لكن بعض أسرار تلك الفترة الحساسة لا يمكن الإفصاح عنها إلا بعد وفاتي، نظرًا لخطرها الكبير. هذه الرواية ليست فقط عن معرض الكتاب، بل عن مسيرة طويلة من العمل الثقافي والتحديات التي واجهناها من أجل تحقيق أحلامنا.)