قوة الصحافة الثقافية.

على مدى العقود الخمسة الماضية، لعبت الصحافة الثقافية دورًا محوريًا في تشكيل المشهد الأدبي والثقافي المحلي. فهي لم تكن مجرد وسيط لنشر الأخبار والفعاليات، بل كانت منصة انطلقت منها أعمال أدبية وشخصيات أسهمت في رفد الأدب السعودي بمحتوى ثري ومتميز. على سبيل المثال، العديد من الكتب التأسيسية التي تحولت إلى أيقونات في الأدب السعودي خرجت أولًا إلى النور عبر الصحافة الثقافية، حيث نشرت موادها الأولى على صفحاتها. وبالمثل، كان رواد التجديد والتنوير في الحركة الثقافية المحلية ينشرون أعمالهم الأولى عبر هذه المنصة، التي أسهمت أيضًا في انطلاق دواوين الشعراء البارزين، لتكون بذلك الصحافة الثقافية نافذة للإبداع ومحطة أولى للإنجازات الأدبية. لم تكن الصفحات الثقافية مجرد مساحة للنشر، بل كانت حلقة وصل بين الأجيال، تشعل شمعة الإبداع وتنقلها من جيل إلى آخر. الصحافة الثقافية كانت الأقوى أثرا بين أنواع الصحافة الأخرى. وإذا ألقينا نظرة على محتويات الصحف المحلية، سنجد أن المحتوى الحقيقي، ذا القيمة المعرفية والإبداعية، كان يظهر بوضوح في الصفحات الثقافية. لم تكتف هذه الصفحات بنشر الأخبار، بل قدمت كتبًا ودواوين ومجموعات قصصية، وحتى روايات كاملة نُشرت متسلسلة قبل أن يأتي “زمن الرواية”. قدمت الصفحات الثقافية ما يمكن تسميته “الجوهر”. لقد كانت بمثابة الكتاب، والديوان، والمسرح، والأغنية. هي التي وسّعت آفاق المستقبل وصنعت الإضافة الحقيقية للمحتوى المحلي. الصحافة الثقافية لم تكن مجرد قسم في الصحف والمجلات، بل كانت القوة التي أسهمت في تحويل الخيال الأدبي إلى واقع. ومن هنا، يأتي إعلان وزارة الثقافة عن إنشاء جائزة للإعلام الثقافي، كخطوة تحمل في طياتها أهمية كبيرة. فهي تعني فتح الباب أمام تعاون أوسع بين المؤسسات الثقافية والإعلامية لتوسيع دائرة الاهتمام بالمبادرات الثقافية. ومع ذلك، ينبغي على المسؤولين الجدد في المؤسسات الثقافية أن يدركوا أن الاعتماد على شركات الاعلان والوسائط الاجتماعية وحده لا يكفي؛ فالمحتوى الثقافي الحقيقي يحتاج إلى منصات تقدم عمقًا ورؤية، تمامًا كما كانت تفعل الصحافة الثقافية لعقود.