شرايين العاصمة.

كان توجيه الملك سلمان–حفظه الله– أثناء توليه إمارة الرياض وترؤسه الهيئة العليا لتطويرها، الجهات المختصة لدراسة إنشاء منظومة النقل، جزء من رؤيته الحكيمة واهتمامه بتطوير العاصمة ضمن استشراف مستقبلي للتطور السريع وما ستكون عليه الرياض في وقتنا الحاضر وحاجتها إلى «عمود فقري» يساهم في تسهيل الحركة والحياة معا فيها. قطارات الرياض التي تتجاوز أطوالها176 كلم حققت بذلك أطول شبكة قطارات حول العالم من المرجح أن تغير الخارطة المرورية للمدينة خلال وقت وجيز. القطار الذي وضع حجر أساسه ملكٌ سابق، وافتتحه ملكٌ لاحق، يثبت أن رحلة البناء والتنمية هي نهج ملوك هذه البلاد التي تسعى إلى كل ما فيه تحقيق رفاهية المواطنين، وهو يعيد إلى الذهن ذلك البيت الذي كان يستشهد به الملك المؤسس رحمه الله: نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل «فوق» ما فعلوا. إن الإقبال الذي شهده افتتاح قطار الرياض كان رداً عملياً على كثيرين ممن شككوا في إمكانية اختيار الناس لهذه الوسيلة، وأن (ثقافة القطار) ليست ثقافة شائعة لدى السعوديين، إلا أن لحظات الافتتاح لكل مرحلة خلال الأيام الماضية، والإقبال الذي شهدته مختلف المحطات الموزعة قد أثبت أن سكان الرياض الذين أرهق الازدحام المروري حياتهم وأوقاتهم وأعصابهم قد كانوا في انتظار هذه اللحظة بفارغ الصبر. فعلياً.. الأمر لا يتطلب أي (ثقافة) طالما هناك (حاجة) قائمة. ليس فقط (الهدف المروري) المرجو من مشروع قطار الرياض العملاق، بل إن هناك العديد من الأهداف الاستراتيجية الكبرى (بيئية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية) فالمشروع الذي يعمل بكامله بالطاقة الكهربائية سوف يعمل على تخفيض انبعاثات الكربون، كما سيقلل من أعداد المركبات على الطرقات؛ وعلى ذلك ستتغير الكثير من ملامح المدينة، وينعكس كل ذلك كآثار نفسية واجتماعية إيجابية على السكان، ويساهم بوضوح في رفع مستوى جودة الحياة. فضلاً عن مساهمته الكبيرة في تسهيل استيعاب الأحداث الكبرى المنتظرة (اكسبو 2030) و(مونديال كأس العالم 2034)، والإقبال الذي سيتزايد على السياحة في السنوات القادمة. للقطارات حكاياتها، ورومنسيتها كذلك، سنرى مستقبلاً الأفلام والأعمال التلفزيونية السعودية تجعل من مقطورة القطار، ومحطاته، وساحاته الداخلية والخارجية مسرحاً لمشاهدها، وستخلق العديد من الحكايات واللقطات، وربما أيضاً تخرج المبادرات التي تكون مصاحبة لبعض الفعاليات، كأن تظهر مثلاً مبادرة متزامنة مع معرض الكتاب؛ وذلك للقراءة في القطارات للاستفادة من الوقت الذي يُقضى خلال الرحلة، أو مبادرات مصاحبة لبعض الفعاليات الأخرى. أو أن يتحول القطار، ومحيطه، إلى مسرح لفعاليات مرخصة من أي نوع. الكثير جداً من الأفكار التي يمكن أن تنبت خلال الفترة القادمة على ضفاف هذه القطارات ومحيطها ومحطاتها، والتي ستضيف بهجة أخرى لملامح الرياض، وتدفقاً جديداً لحراكها النابض.