كما يذكر المترجم د. عامر شيخوني، فإن أهمية الكتاب تنبع من أنه ركز الضوء على تجارة السلاح الإسرائيلية وتصرفاتها غير الأخلاقية باستخدام أدوات قمعها في فلسطين المحتلة من أجل التسويق والدعاية لأسلحتها العسكرية والإلكترونية. كما تنبع أهميته من أن المؤلف يهودي امتلك هو وأسرته خلفية ثقافية يهودية وصهيونية، إلا أنه تنبه إلى السلوك العنصري وغير الأخلاقي لدى الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي منذ نشأته وحتى اليوم، وكيف اتخذ غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية مختبرا يجرب فيه أدواته القمعية سواءً أكانت أسلحة أو منظومات تجسس ومراقبة، لقد طورت اسرائيل صناعة عسكرية على مستوى عالمي، وتمت تجربة أسلحتها على الفلسطينيين، وتم تسويقها كأسلحة “تم اختبارها في ميدان القتال” باستغلال العلامة التجارية لجيش الدفاع الإسرائيلي، وأصبحت من أكثر الشركات نجاحا في العالم. يذكر المؤلف أنه كيهودي لجأ جداه إلى استراليا هربا من النازية، كان تأييد إسرائيل متوقعا حتى ولو لم يكونوا من الصهاينة المتحمسين، وكان معقولا عند الأسرة أن تعتبر إسرائيل مكانا آمنا للشعب اليهودي فيما لو حدث لهم شيء في المستقبل، ورغم التعاطف مع إسرائيل في المجتمعات اليهودية في معظم أرجاء العالم إلا أنه سرعان ما أصبح غير مرتاح مع العنصرية الصريحة التي يوجهونها نحو الفلسطينيين، ولم يعد يستريح إلى التأييد الفوري لكل أعمال الصهاينة. يردد شباب اليهود ما يسمعونه من الآباء والحاخامات، لم يذهب منهم إلا قلة قليلة إلى فلسطين، السرد الطاغي عندهم يستند إلى الخوف، وحتى يعيش اليهود في أمان فليس مهما أن يعاني الفلسطينيون. “ ذهبت الى الشرق الأوسط عام ٢٠٠٥، كنت أعتقد بحل الدولتين، وحق إسرائيل في الوجود كدولة يهودية”. لم يعد يؤيد أيا من هذين الحلين، الحل عنده دولة واحدة يتساوى مواطنوها من يهود وعرب، عاش المؤلف في حي الشيخ جراح في القدس سبع سنوات وكتب من الضفة الغربية وغزة، وثق تضييق الخناق الصهيوني على الفلسطينيين، وشاهد الشرطة الاسرائيلية التي تهين الفلسطينيين دائما، كان طحن الاحتلال القمعي يوميا على غير اليهود، أصبح خجلا مما يُرتكب باسمه كيهودي. ربع اليهود الأمريكان وافقوا من خلال استفتاء على أن إسرائيل دولة فصل عنصري. إذ رغم ادعاءات إسرائيل بأنها دولة ديمقراطية إلا أن كل منافذ الإعلام يجب أن تحصل على موافقة مدير الرقابة في الجيش الإسرائيلي عند نشر أي موضوع يتعلق بالأمن أو الشؤون الخارجية. ولذا فما زال تقديم أي تقرير عن فلسطين يمثل تحديا صعبا. مثلا رفضت مجلة فايس الأمريكية الكندية موضوعا موثقا بالصور، يظهر فيه مستوطنون وهم يحطمون بيت عائلة فلسطينية، حطموا ألعاب الأطفال والأثاث، قال ممثل المجلة: “المستوطنات قضية خلافية مجنونة، إسرائيل لا تعتبرها غير قانونية كما يعتقد الآخرون، لا يمكننا عرض المواجهة لأنها ستظهر وكأنها تحيز لأحد الأطراف. “على مر عقود لم يناقش قضية فلسطين في وسائل الإعلام الغربية إلا اليهود، أحيانا يتحدثون عن فلسطينيين تحت الاحتلال، لكن لا يتم سماعهم. فقط ٢% من مقالات الرأي عن هذه المسألة في جريدة النيويورك تايمز كتبها فلسطينيون، وأقل من ذلك في الـ واشنطن بوست. إليوت أبرامز الأمريكى الذي كان المهندس الرئيس في الحرب على الإرهاب التي قامت في عهد جورج بوش الابن وولاية الرئيس ترمب الأولى يقول: “ إن دور اسرائيل أن تقدم النموذج في القوة العسكرية والاختراع”. وفي مقال نشر في صحيفة النيويورك تايمز كتب ماكس فيشر عام ٢٠١٩ : “كانت القومية الإثنية الإسرائيلية القديمة، وتعاملها القاسي مع الفلسطينيين مأخوذا عليها في المجتمع الدولي، لكنها أصبحت الآن ميزة لها” وذلك بفضل برامج مثل برنامج البيغاسوس للتجسس على الهواتف الذي تصنعه مجموعة NSO الإسرائيلية للبرمجيات. والطائرات المسيرة التي تنتجها الدولة الصهيونية. يقول نتنياهو: إن التعاون في مجال التكنولوجيا ليس مشروطا بالتقدم في محادثات السلام مع الفلسطينيين كما يقول الاتحاد الأوروبي، في الحقيقة أن الإتحاد الأوروبي لم يتوقف عن التعامل مع الشركات الاسرائيلية، رغم الشرط السابق. بل أصبح الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل في عهد نتنياهو، رغم أن الاحتلال الإسرائيلي أصبح أكثر قسوة. في أكبر معرض عالمى لصناعة الطيران والفضاء أقيم في باريس عام ٢٠٠٩، قدمت شركة أنظمة إلبيت - أكبر شركة أسلحة إسرائيلية- فيلما دعائيا عن طائرة مسيرة قاتلة، يظهر الفيلم قيام الطائرة برحلات استطلاعية، تصور الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، ثم قتلها أحد الأهداف، يظهر المتفرجون إعجابهم بإسرائيل التي تستخدم القوة المفرطة للمحافظة على نفسها. الحقيقة أن الحادث الذي صوره الفيلم الدعائي قُتل فيه عدد من المدنيين بما فيهم أطفال، وتم إخفاء ذلك. لا تجرؤ أي شركة دعاية أن تعرض مشهد قتل حي في أفلامها إلا إذا كانت اسرائيلية، أصبحت اسرائيل واحدة من الدول العشرة الأولى في تصدير السلاح في العالم، وبسبب مختبرها الحى تصاعدت مبيعاتها بنسبة ٥٥% في عام ٢٠٢١ عنه قبل سنتين. وبلغت مبيعاتها آنذاك ١١,٣ مليار دولار وحصلت شركات الأمن الإلكتروني على ٨,٨ مليار دولار من مائة صفقة عام ٢٠٢١, ويوجد في إسرائيل حوالى ٣٠٠ شركة دولية و ست آلاف شركة ناشئة تعمل في مجالات الأسلحة والمراقبة الأمنية وما يشبهها. “يجب أن يكون قتل الفلسطيني سهلا مثل طلب البيتزا”، هذا ما صرح به الكولونيل ماتزيلياح الذي كان مديرا لإنتاج برنامج صُمم للجيش الصهيوني عام ٢٠٢٠, يتيح هذا البرنامج للقائد الميداني إرسال تفاصيل عن هدف محدد عبر جهاز إلكتروني إلى الجنود الذين يمكنهم القضاء على الفلسطيني بسرعة. وهم هنا لا يرون الهدف ولا يتواصلون معه، ما يعنى نزع الانسانية عنه، وزيادة القسوة في التعامل معه. باعت إسرائيل برامج تجسس لروسيا ولم تبعها لأوكرانيا حتى تحافظ على السوق الروسي الضخم. لا تصدر إسرائيل خبراتها في الاحتلال فقط، بل قامت بتدريب ألف فرد من الشرطة الأمريكية على الأرض لينقلوا الخبرات إلى بلادهم. على الأغلب فإن ديريك شوفين ضابط الشرطة الذي قتل الأمريكي الأسود جورج فلويد تعلم التقنية القاتلة بوضع الركبة على العنق خلال تدريبه في اسرائيل، فإن هذه الحركة الخانقة هي التي يستخدمها أفراد الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. المتدربون الأمريكان أصبحوا أكثر صهيونية من الإسرائيليين. وكذلك أصبحوا أكثر استعدادا لممارسة العنف ضد مواطنيهم. ما زال الغموض يخيم على دور إسرائيل في وحشية ديكتاتور تشيلي بينوشيه، وقد تم الحديث عن مقتل خمسة آلاف وتعذيب ثلاثين ألفا خلال عهده، ربطت علاقة قذرة بين إسرائيل والمجلس العسكري الذي تزعمه بينوشيه، فقد قامت بتدريب عناصر من تشيلي على فنون القمع، كما أن إسرائيل أصبحت مورد السلاح الرئيس له بعد صدور قرار منع بيع السلاح الأمريكي إلى تشيلي، شحنات الأسلحة من اسرائيل قوضت أي نتائج إيجابية محتملة للقرار الأمريكي، دافع أمريكا الأخلاقي لمنع تسليح بينوشيه ليس له اعتبار في إسرائيل. العربات المجهزة بمدافع مائية لتفريق المتظاهرين مصنوعة في كيبوتس بيت ألفا في اسرائيل. وعندما رُفعت دعاوى من أهل ضحايا تشيلي في اسرائيل، أُبلغوا بأن الوثائق ذات العلاقة لا يمكن الإفراج عنها إلا بعد سبعين سنة. كذلك لا تتورع اسرائيل عن بيع أسلحتها لأنظمة سيئة السمعة فقد باعت رشاش عوزي لأكثر من تسعين دولة، و في ردها على انتقادات أمريكية بهذا الخصوص كتبت صحيفة وول ستريت الأمريكية: إن اسرائيل اشتكت من أن الولايات المتحدة في انتقادها لسياسة إسرائيل الهجومية إنما تتجاهل حقيقة أن اسرائيل لعبت دور المختبر الميداني في تطوير الأسلحة الأمريكية. في قرية اسمها دوس إيريس في جواتيمالا، قُتل نحو ٣٠٠ شخص على يد جيش الحكومة الديكتاتورية، تم سحق الجماجم بالمطارق الثقيلة، قامت لجنة تابعة للأمم المتحدة بالتحقيق وذكرت: “تتوافق جميع أدلة المقذوفات التي تم الحصول عليها مع شظايا الرصاص مع أسلحة وبنادق الجليل المصنوعة في إسرائيل”. انتقلت بنادق الجليل الإسرائيلية من جواتيمالا الى العصابات الكولومبية، ثم تعاقدت شركة غلوبال الاسرائيلية مع الحكومة الكولومبية لكي تساعدها في حربها ضد المتمردين. وفي فيلم دعائي لأعمال شركة غلوبال، يظهر أحد وزراء الدفاع في كولومبيا قائلا: إن الأساليب التي ثبتت كفاءتها في نابلس والخليل بدأت تتحدث باللغة الإسبانية في أمريكا اللاتينية. لعبت إسرائيل دورا رئيسيا في تدمير جماعة نمور التاميل على يد الحكومة السريلانكية، قُتل في الحرب ٢٠٠٠٠٠ شخص على مدى ربع قرن انتهى عام ٢٠٠٩, تم استخدام طائرات كفير الاسرائيلية، وقامت إسرائيل بتدريب الشرطة السريلانكية، وساعدت الحكومة في بناء مقاطعات سنهالية بشكل يؤدي إلى إيجاد مناطق عازلة حول مناطق الغالبية التاميلية، في استنساخ لفكرة إقامة المستعمرات في الضفة الغربية. وكان لإسرائيل دور في تسليح جيش دولة ميانمار خلال قيامه بارتكاب إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينغا عام ٢٠١٨. وبلغت سمعة إسرائيل في إنتاج تقنيات الأمن حدا عاليا لدرجة أن إدارة أمن الألعاب الأولمبية التي جرت في أثينا عام ٢٠٠٤ وفي بكين عام ٢٠٠٨ تمت على أيدي شركات أمن إسرائيلية. تستخدم إسرائيل الجاذبية الجنسية في تسويق منتجاتها العسكرية، أسست أورين جولي المتقاعدة من الجيش الإسرائيلي جمعية “ فتيات بندقية ألفا”، وهي تعتمد على تصوير نساء في أوضاع جنسية مثيرة، يقمن بالدعاية للمنتجات العسكرية. ففي خطاب مؤيد للسلاح “سندافع عن أرضنا مهما كان ذلك صعبا”, صاحب ذلك نشرات على صفحاتهن في وسائل التواصل الاجتماعي يذكر فيها قياسات الصدر والحذاء والملابس وعدد المتابعين. يقدم الكاتب أدلة كثيرة على دور اسرائيل في إنتاج برامج المراقبة الالكترونية، وكفاءة شركاتها لدرجة أنها أصبحت تصدر تقنياتها لكثير من دول العالم، وحتى الدول التي ليس لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل تشتري هذه التقنيات ويتدرب افراد منها على أيدي مدربين إسرائيليين في دول أخرى، كما تقوم بعض الشركات المنتجة لتقنيات التجسس بإيصال خدماتها إلى حيث لا يستطيع الموساد الإسرائيلي أن يصل. علما بأن كثيرا من الدول التي استوردت التقنيات الإسرائيلية تعلم إلى حد قريب من اليقين بأن استعمالها لهذه التقنيات يؤدي الى انكشاف معلوماتها السرية لأجهزة الاستخبارات الصهيونية. يلخص فكرة هذا الكتاب الكاتب الإسرائيلي - الأمريكي جيف هاربر في كتابه “الحرب ضد الجماهير: اسرائيل، الفلسطينيون، والتهدئة العالمية”: الاحتلال ليس عبئا على الدولة الصهيونية، بل على العكس من ذلك، لأن فلسطين أصبحت أرض اختبار لا تقدر بثمن للمعدات الجديدة لصالح هيمنة عسكرية عالمية تخدم جيوشا أخرى عبر العالم. يزدهر مختبر فلسطين الإسرائيلي وينمو على الصراع و العنف في العالم، ويزداد ازدهارا مع الوقت الذي تكبر فيه أزمات العالم، أزمة المناخ القادمة ستفتح لشركات التجسس الصهيونية بابا لأرباح غير مسبوقة. كتاب مهم جدا، نرجو ألا يصاب أحد منا بالإحباط أمام غزارة النشاط الصهيوني، إنه تحد سينشئ في الجانب الآخر عندنا تحديا مكافئا بإذن الله.