الدواء الوهمي
ما أوحى لي بكتابة هذا المقال ما ذكره صديق صدوق أعتز به من أن زوجته تحتفظ “بقرعة “على سريرهما - القَرْعُ او الدُّبَّاء نبتة زراعية- وسبب ذلك قبل أن تذهبوا بعيدا في تحليل المغزى، اعتقاد الزوجة بأن القرع يسحب الطاقة السلبية في الغرفة أثناء النوم، والأفضل احتضانها لمفعول أقوى! ولمعرفتي بأن الزوجة امرأة راشدة ومربية فاضلة، فقد ظننت أن هذا الاعتقاد “سحب الطاقة السلبية” أمر مسلم به، وحقيقة علمية بناء على دراسات وأبحاث منهجية تقوم بها مراكز متخصصة. اتضح لي بعد البحث والتقصي أن هذا الاعتقاد، لا أساس له علميا وإنما هو من تخرصات مواقع التواصل الاجتماعي؛ أشاعها أحدهم وصدق بها البعض. تساءلت : إذا بلغ تأثير مواقع التواصل الاجتماعي إلى هذا المسوى لدى المتعلمين فكيف يكون لدى الجهلاء وبسطاء التفكير؟ كما إذا بلغ تأثير المواقع على الراشدين والعقلاء فكيف يكون التأثير على السفهاء والأطفال؟ قد لا يكون هنالك ضرر من أن تضع القرع في غرفة النوم أو حتى لو أضفت إليه باذنجانا! لكن الخوف أن يتشدق آخر في منصة تواصل اجتماعي، بفلتة جديدة ويدعي أن النوم وتحت مخدتك سكين أو مسدس؛ يطرد عنك كوابيس المنام. ردة فعل المتلقي في مواقع التواصل عند رؤيته هذه الخزعبلات مختلفة، فهناك من يصدق كل ما يقع عليه نظره حتى وإن كان غير منطقي وآخر يشكك في الأمر، لكنه لا يمتنع عن التجربة، فقد تكون صحيحة، وفئة أخرى لا تصدق بها البتة. ظاهرة أخرى أقل غرابة ومن الموروث وليس لها أي إثبات طبي هي (ظاهرة الشمم،) وهو اعتقاد شعبي، بأن العطورات تسبب التهابا لمواضع العملية الجراحية او للمرأة في النفاس؛ حيث قرأت تغريدة لطبيب سعودي ينفي أي أساس علمي أو طبي لها، فرد عليه الكثير بقناعتهم صحتها والبعض تهكم عليه. هذه الظاهرة وماذكر أعلاه، وكذلك الشطط من البعض في اعتقاد العين في كثير من مناحي الحياة، إنما هي نتيجة تأثيرات نفسية، وإيحاءات تترسب في العقل بسبب الإيمان الجمعي بصحتها، قد تتحقق لبعض من يعتقد بها، إلا أن ذلك لا يعني صحتها وما يؤكد ذلك أنها غير موجودة ولم يُعترف بها في المجتمعات الأخرى. ما قد يساعد في تفسير هذه الظواهر الاجتماعية، ظاهرة طبية متعارف عليها تسمى (تأثيرات البلاسيبو) أو (الدواء الوهمي) وهي شعور الشخص بتحسن حالته الصحية لاعتقاده بفعالية الدواء المعطى له حتى ولو كان الدواء وهميا وغير فعال. طبق المسعف الطبي هنري بيتشر هذه الظاهرة أثناء الحرب العالمية الثانية، حيث اضطر بعد أن نفذ مخدر الآلام إلى استبداله بعلاج وهمي (ماء ملحي) وتقديمه إلى الجرحى على أنه الدواء المخدر، وما فاجأه استجابة أكثر الجرحى للدواء الوهمي وكأنه حقيقي وفعال. أما سبب تأثير الدواء الوهمي فإنه يعتقد بأن الدواء الوهمي يعمل عبر التأثير على التصور العقلي للشخص، الأمر الذي ينعكس على التفاعلات الكيميائية والفسيولوجية في جسمه، إذ إن الشخص يكون لديه تصور عقلي بأنه عندما يتعاطى العلاج سوف يتحسن، ولذلك يشعر بتحسن. والعكس صحيح أيضا، فإذا كان يعتقد أن هذا الدواء سوف يؤدي لمضاعفات فسوف يشعر بها. من المهم التأكيد على أن الدواء الوهمي ليس بعلاج للأمراض لأنه لا يمكنه القضاء على البكتيريا أو المسبب للمرض، ولن يخفض الكوليسترول لديك، كل ما يفعله تخفيف الأعراض التي هي مهمة الدماغ. يزداد اقتناع المريض بأن الدواء فعال، حسب تقديمه له، فالإبرة أفضل من الكبسولات التي هي أفضل من الحبة الصغيرة، وإذا ارتفع سعر الدواء فهو أفضل، كما أن قول الطبيب للمريض إن هذا العقار قوي وستشفى بسببه أكثر إقناعا من قول إن العلاج قد يساعد في شفائك، وبالتالي، نتيجة الدواء أفضل. الثابت عمليا أن الدواء الوهمي يخفف فعلا من آثار الألم ويعالج أعراض بعض الأمراض مثل الصداع والاكتئاب واضطرابات النوم والقولون العصبي. لكن بعض الهيئات الطبية تعارض استخدام هذا النوع من العلاج وترى أن فيه تدليسا على المريض وان الأجدى العلاجات الطبية المتعارف عليها. من الواضح من الظواهر المذكورة أعلاه، أن العقل والتفكير يتأثر بما يغذى به الدماغ من معلومات وتجارب، والدماغ عضو مرن قابل لاكتساب المعرفة المنطقي منها وغير المنطقي أيضاً. معلومة أخيرة عن القرع، أقيمت في ولاية كاليفورنيا، شهر أكتوبر من العام الماضي مسابقة لأكبر قرعة وفاز بها مزارع من ولاية مينيسوتا، حيث بلغ وزنها 1336 كيلوغراما، قطعا هذه تحتاج إلى سرير منفرد لها، إذا ما أريد منها سحب الطاقة السلبية.