أبجدية الفرح.
“كتب الصديق الراحل أحمد أبو دهمان هذه القصيدة منتصف 1995م، واحتفظت بها في أرشيفي الشخصي، ولا أعرف ما إذا كان قد نشرها في حياته أم لا. كتبها أحمد في جوّ سياسي حالك أعقب حرب الخليج الثانية، بما خلّفته من انقسامات أحدثت شرخاً في حياة الإنسان العربي في تلك الحقبة الصعبة. تحمل القصيدة أسىً وحزناً يتلبّسان الشاعر، ويغلقان أفق الحياة أمامه، لكنه يعود مخاطباً أبيه وصديقه بأن القيم الحياتية والمُثل الوطنية التي تشرّبها حيّة في روحه، وأنها تحكم ضميره وسوف يدافع عنها حتى النهاية”. محمد الدميني ---------- أبجدية الفرح. أباهُ علَّمْتَني ألاَّ أبيعَ دَمي أن أنْحني كي تراني قمّة القَمم ما زلتُ منتصباً والماءُ يشهدُ لي أن الصخورَ نمَتْ يوماً على قَدمي “لا ماءَ في الماءِ” استَسْقي يَدى بيدي أهيمُ في عطشً أسقي فَمي بفَمي سافرتُ في حُلمٍ غادرْتهُ حلماً أقمتُ في يقْظتي فاغتالَني حُلمي منَحتُ صوتِي نشيداً كان يجْهلهُ فَصَار صوْتي نشيدُ الخصمِ والحكَم هيَّا فديْتكَ لا الأشعارُ تعرفُني ولا الجبالُ التي أسْقيتُها بدَمي وجْهي عباءةُ هذا اللَّيل أحملهُ فمَا عَمِيْت ولا أبصرتُ في الظُّلَم أُعطِيْ اللّيالي رَبيعِي وهيَ تمْنحُني زِنزانةً أنْحَني فيها على سَأمي أبيعُ كلّ صباح خلسةً سقَمي حتى اشتريتُ ببؤسِي أتعسَ النِّعَم فرحتُ لما أتى حُزني يودِّعني أسمعْته نغَماً فانسَاب في نغَمي كانتْ حُروفي جِبالاً أستظلُّ بها قاومتُ حتّى انحنَى في داخلي ألَمِي قاومتُ بعْضي وبعْضِي كان يهزِمُني بعْضِي سرابٌ وبعْضِي تاهَ في العدَمِ قاومتُ كي لا أرَى سيْفي يقاومُني قاومتُ حتى هَوى سيْفي على قَلمِي أنادمُ الموت أسْعى في جِنازتهِ ما مِتُّ يوماً ولم أندَم على ندَمِي ودّعتُ أسئلتى كيْ لا تسائلنِي فاسْتسْلَمت وهوَى في صمْتِها علَمِي لم يبْقَ بينِي وبين الموت أسئلةٌ حتّى الإجاباتُ ماتَت كلُّها بفَمِي. شعر: أحمد ابو دهمان