« أخفّ من الهواء» للكاتب الأرجنتيني فيديريكو جانمير..

رواية الإضطهاد والكذب والتكرار الممل.

«لا فائدة من الصراخ،فلا أحد حولنا هنا» «أنت تزعجني وتثقب بصراخك طيلة أذني! اسمع أنا عجوز في الثالثة والتسعين ولا قدرة لدي على الاحتمال» «لا،ما كان عليك أن تحاول سرقتي أيها الفتى،كانت هذه حركة حماقة كبرى منك،ومعي كل الحق في احتجازك في حمامي هذا « «الآن،بما أننا سنمضي معًا وقتًا طويلًا، إذ لا نية عندي لإخراجك،ما رأيك أن تسمع قصة ؟!! أؤكد لك أنه ما من أحد،! مامن امرئ في هذه الحياة عرف بهذه القصة قط! إنها حكاية أمي ديليتا الفاتنة ، قبل قرابة قرن من الزمان «! «أخف من الهواء» هي رغباتنا تطلعاتنا كذباتنا تضحياتنا آمالنا الكبرى التي نسعى لاهثين خلفها ! بكثير من العناء، والوقت المستقطع،والذكريات المحبوسة المريرة تقصّ فيولا على سانتي حكاية بقيت في جعبتها دفينة قلبها تؤرق مضجعها لوقت طويل جدًا ، سانتي محتجز ولا حيلة له سوى الاستماع ،غير أنّا لا نسمع صوته ولا نعرف ردود فعله عدا من خلال كلمات فيولا، فهي الصوت الوحيد الذي يدور ويتحدث في القصة ! أخف من الهواء هي أحلام ديليتا، حيث رغبت طوال عمرها في الطيران! أن تستقل وحدها طائرة صغيرة وتقودها لترتفع وترتفع، حتى تلتحم بالسحاب الهش الأبيض، حيث أديم السماء الزرقاء الواسعة،وحدها،دون أي معونة، هكذا كانت دليتا تسير عن طواعية في طريق هلاكها المحتوم ! تتحدث الرواية القصيرة عن الاضطهاد الذي اضطرت عديدًا من النساء لتحمّله طوال سنوات حياتهن،تحدثت عن الخداع والكذب والقبح الذي صادف كثيرات منهن،عن الأسرار التي اضطررن لكتمانها وإخفائها بعيدًا عن أعين الآخرين،لأنه ما من أحد كان ليتفهم ،ليتعاطف ،ليدرك ما مررن به وما احتملنه منهم ! كان الفتى الصغير صورة مصغرة من الشرور الذي واجهته فيولا طوال حياتها،عبثًا حاولت تهذيبه،عبثًا حاولت تفهمه،عبثًا حاولت أن تشرح له وتجعل منه إنسانًا ،لا كائنًا بهيميًا يركض وراء رغباته ، هكذا تقتنع فيولا أكثر وأكثر وهي في ذروة ذبولها وعجزها هذه المرة بمدى شرورهم. أخف من الهواء هي رغبات ديليتا، لم يكن الطيران بعيدًا سوى كناية عن الأحلام المخبوءة التي ظلت متوارية وراء صدورهن،ممنوعات من الحديث عنها،ممنوعات أن تكشفن سرها،ممنوعات أن تثرثرن جهارًا بها ، هكذا طاردتها برغم كل الظروف ديليتا،حتى وإن عنى ذلك أن تفقد حياتها،وتترك ذكرى شديدة المرارة لطفلتها. تتمحور الرواية حول التوق ،التوق إلى أن يفهمك الآخرون،إلى أن يسمع أحدهم على وجه البسيطة بمعاناتك التي سحقتك تحت عبئها لسنوات طويلة وعمرًا كاملًا، تتحدث عن التوق إلى إيجاد شريك يساعد في تخطي عراقيل هذه الحياة،إلى إيجاد أذن متعاطفة تصغي ،التوق إلى الهروب من الوحدة وعذاب الذكرى وتقلقل الروح ورزوحها تحت ضغط هائل من العذابات المريرة ، حتى وإن كان هذا الشريك لصًا صغيرًا في الرابعة عشرة من عمره، وبينما أمّلت فيولا نفسها أنها ستصلح من هذه الذات المشاكسة الشرسة،وتهذب فيها بعض خلائقها،وأن تجعل منها الإثبات الوحيد على أن بعض الذكور ليسوا وحوشًا،غير أنها تفشل على ما يبدو،ولا تستطيع المرأة العجوز أن تجد ضوءًا في آخر النفق الذي حبست فيه،لا تستطيع أن توقد في سمائها فجرًا يعقب ليلها الطويل ،ولا تجد بدًا إلا أن تأخذ هذه الروح الفاجرة معها في أثناء خروجها من هذي الدنيا التي ما وجدت في أيامها وردهاتها غير العذاب والحسرة !  أصابتني الرواية بانقباض شديد ! فما الذي يُوصل امرأة إلى كل هذا المقت والعذاب وانعدام القدرة على المغفرة والمسامحة ، وطوال الوقت تفشي لك بعضًا من صنائع يد هذا الوحش الصغير وكأنها تنتزع أيما شفقة أو تعاطف في قلبك تجاهه،تخبرك أنه لا يستحقها : هذه الرأفة والرحمة،هذه الحياة التي أساء استغلالها،هذه الروح التي أمعن في تشويهها ! يعيب الرواية بشدة التكرار الممل لأحداث بعينها،ولتوبيخ العجوز للفتى المراهق المحتجز طوال الوقت ، وبرغم كونها لا تتجاوز المائتي صفحة غير أنها كان يمكن اختصارها في ثلاث صفحات !