ما رأيك أنت؟.

(المبدع يعيش بين جحيمين: الذات والآخر) هذه الكلمة لو قالها غير سارتر، لرشقنا قائلها بالتشاؤم، واسترحنا من الالتفات إليها، ولكنها من فيلسوف وأديب عبقري متعدد المواهب، فلابد؛ لفهمها كما أراد، من التفكير فيها كموقف فلسفي وجودي من الحياة والإنسان. ومعروف أن سارتر من أعلام الفلسفة الوجودية، وهي فلسفة تختلف عن أي فلسفة أخرى؛ لأنها لم تتأمل الحياة كمفهوم مجرد من خارجها، بل تأملتها كمعاناة يعيشها الإنسان بقلق دائم، وعليه أن يحقق ذاته التي ليس لرغباتها حدود، الأمر الذي يجعل المرء محترقا في محاولة تحقيق تلك الرغبات. وهنا تندلع الجحيم الأخرى، وهم الآخرون الذين يقفون ضد تحقيق تلك الرغبات, فهم كما عبر السياب (سيزيف: إن الصخرة الآخرون) وقد أوضح العلامة عبد الرحمن بدوي هذه الفلسفة إيضاحا تام الإضاءة، في أكثر من موضع. سألتُ: ما رأيك أنت، وأظن أنك ستقول بأنك لست فيلسوفا يحمل أثقالا لم يكلفه أحد بحملها، بل فرد يعيش الواقع بتلقائية لا علاقة لها بالتأمل في كيف توجَد الماهيةُ، أو كيف يتم الاختيار؟ ولا أشك لحظة في أني أتمتّع بحياتي أفضل من جميع الفلاسفة، فهم يعيشون على شوك، وأقصد به التفكير، وما يسببه من القلق الدائم. وهنا ينفتح باب آخر للسؤال: هل تود أن تكون مفكرا، أو ـ على الأقل ـ متأنيا فيما تتخذ من قرارات، أو تكون مع القطيع؟ ستغضب من السؤال؛ لأن كلمة (القطيع) تشعرك بالتبعية والاندياح مع الموجة، وهذا ما يعز عليك الاعتراف به، ولكن، لو تأملت قليلا لرأيت أن (القطيعيّة) مرحلة من المراحل التي يمر بها كل فرد، بل كل مجتمع. وإذا عرَّفنا الحداثة بأنها: (انتقال المجتمع من وعي إلى وعي آخر أرقى وأنضج) اتضح لنا أن المجتمع ـ ونحن منه ـ كان في مرحلة القطيع. وأعتقد أن هذه الصفة لازمة وجودية للصيرورة البشرية في كل مراحل تطورها. ألا ترى أن حياة القطيع مريحة؟ وهل هناك راحة أجمل من عدم التفكير في شيء اعتمادا على القطيع (وما أنا إلا من غزية إن غوت / غويت وإن ترشد غزية أرشد) هكذا قال دريد بن الصمة، فلماذا لا تكون مثله؟ مع كل هذا أراك ترفض هذه الراحة؛ لأنها تزيل الفرق بين الإنسان وبين الحمار.