عن اليوم العالمي للغة العربية ..

من أجل مستقبل أكثر شمولية .

أسماؤنا العربية لقاؤنا الأول بهويتنا التاريخية ، فاللغة العربية التي يتحدثُ بها 400 مليون شخص ويحتفلون في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي لها لاتحتاج إلى المراثي أو المدائح أو الحفاوة المؤقتة أو المبادرات الانتهازية ، هذه اللُغة الخالدة لغة القرآن الكريم ، قال الله تعالى :  { بلسانٍ عربيّ مُبين }  { إنّا أنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ، ويأتي شعار المرحلة لمناسبة اليوم العالمي للغة العربية بعنوان (  مسارات مبتكرة للغة العربية: سياسات وممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولاً   ) حيثُ أضحت اللغة العربية مشروع حيّ يعرف كيف يبتكر ذاته، ويصنع الحاضر، ويؤسس المستقبل ، ولغة الإنسان والآلة معًا ، تصل الإبداع بالفكر ، وعراقة هويتها بالمستقبل المتجدد ،  وسط ضوضاء العالم الرقمي ،  فالحديث عن الابتكار في اللغة العربية لا يعني التفريط في قواعدها أو هويتها، بل يعني إعادة تمكينها: في التعليم، حين تُدرَّس بوصفها أداة تفكير لا مادة حفظ؛ وفي الإعلام، حين تُستخدم لغةً حيّة قادرة على التأثير لا مجرد نقل؛ وفي الفضاء الرقمي، حين تكون حاضرة في الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات، والمحتوى المعرفي العالمي ، هذا الشعار الذي لا يقتصر على الرمزية، بل يحمل في طياته دعوة للتجديد، واستراتيجية للابتكار، وتأكيدًا على دور اللغة العربية في صنع المستقبل المعرفي والثقافي ؛ لأنه أداة بناء فكر، وحفظ تراث، ونقل معرفة، وتواصل حضاري عالمي . واحتفلت ( اليونسكو ) منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة باليوم العالمي للغة العربية منذ عام 2012، انطلاقاً من رؤيتها المتمثلة في تعزيز تعدد اللغات والثقافات في الأمم المتحدة، واعتمدت شعار اليوم العالمي للغة العربية من كل عامٍ منذ عام 2012 على النحو التالي :  2013 اللغة العربية والإعلام 2014 الحرف العربي 2015 اللغة العربية والعلوم 2016 تعزيز انتشار اللغة العربية 2017 اللغة العربية والتقنيات الجديدة 2018 اللغة العربية والشباب 2019 اللغة العربية والذكاء الأصطناعي 2020 مجامع اللغة العربية ضرورة ام ترف 2021 اللغة العربية والتواصل الحضاري 2022 مساهمة اللغة العربية في الحضارة والثقافة الإنسانية   2023 اللغة العربية لغة الشعر والفنون 2024  «اللغة العربية والذكاء الاصطناعي: تعزيز الابتكار مع الحفاظ على التراث الثقافي»  2025  «المسارات المبتكرة للغة العربية: السياسات والممارسات من أجل مستقبل لغوي أكثر شمولية» وتبرز اللغة العربية في زمن الذكاء الاصطناعي  بوصفها اختبارًا حضاريًا حقيقيًا لتصبح جزءًا من الخوارزميات، وقواعد البيانات، ومحركات البحث و التقنيات الحديثة باعتبارها ضرورة لا ترفًا لغويًا، بل شرطٌ أساسي لضمان حضورها في وعي الأجيال القادمة، ولتأكيد حق المتحدثين بها في الوصول السليم إلى المعرفة. اللغة العربية لا تطلب حمايةً عاطفية، بل تطلب شراكة واعية؛ شراكة تجعل منها لغة تفكير لا لغة مناسبات، ولغة سؤال لا لغة تلقين. وعندها فقط، يمكن أن تتحول المسارات المبتكرة من شعارات معلّقة إلى واقعٍ لغوي نابض بالحياة ؛ لنحتفل بواحدةٍ من أهم اللغات الحية في العالم، ذات تاريخٍ  طويل بين دفتي الكتب وتأثير كبير في الثقافة والعلم والأدب والمعرفة ، منذ العصر الجاهلي وجمالية المعلقات الشعرية ، وفصاحة قُس بن ساعدة وروعة الأدب وسِحر البديع والبيان والمعاني   ،  فالعربية لغة الإعجاز والإبهار ، والبيان الفاتن في مفرداتها ، وصورها ، وبحر كلماتها ، وسعة معاجمها ، وتراكيبها ،   اللغة العربية لُغة البناء الثقافي واللغوي للأمم، ولغة التقارب الإنساني بين الشعوب ، ومن اللغات الجميلة التي اجتمع فيها جمالُ الخطِ ، وعذوبةُ الصوتِ ، ووفرة الألفاظ، ودقة المخارج، والسَّعة المعجمية ، وعراقة تاريخها ، وجمال حرفها ، وقدرتها على مدّ الجسور وربط الشعوب ، هذه اللُغة التي من جمال لُطفها ألَّا يُقالَ للقلب فيها ( فؤاد ) إلاّ إذا سكن الحُب فيه ، وفعلا أمست تسكن صدورنا ، وارتسمت جذور حروفها في راحة أيدينا ؛ فأضحت قُرّة العين ،  وهواء الروح اللطيف في تفاصيل أيامنا ، حيثُ نتوق أن نحترمها بالاستخدام في التواصل ، والتخاطب ، والتعليم ، والبحوث ، والمشاريع التجارية .  وإلى معلمين ، ومتخصصين ، وفتيةٍ ،  آمنوا بأهمية اللغة العربية ؛ ليزدادوا إيماناً ، وصدقاً في خدمة لغة الضاد التي نزلت على خاتم الرُسل عليه الصلاة والسلام ورسالة السماء وعمارة الأرض ، ونتطلعُ إلى برامج ، وبحوث  ، وثقافة تعالج الضعف اللغوي، والعزوف عن تعلم اللغة واستخدامها، تؤطر تأطيرا علميًا، لا مجرد ألفاظ تنطقها الألسن ، وتحسين العودة للكتابة ، والإملاء،  والخط ، ومهارات التعبير في مراحل التعليم الأول ؛ لنصنع جيلًا قادرًا على بناء المستقبل ، وتكوين الشخصية ، فاللغة العربية لم تسقط (سهواً ) بين المتحدثين بها ، بل ترتفع (زهواً ) وجمالاً في كل يومٍ وبكل فخر . * ماجستير في اللغة والإعلام