البرسوبس شجرة إنقاذ المستقبل من العطش.
البرسوبس شجرة إنقاذ المستقبل من العطش. هذا ما جعل هذه الشجرة في محور اهتمامي. شخصيتها متعددة العطاء. يعزز عطاءها قدرتها على الانتشار في الأرض دون تدخل بشري. لها وظائف متعددة في حال كان هناك تدخل بشري لتوجيه عطاءها وفق حسابات الإنسان لاستثمار نفع هذه الشجرة. ذلك يعود إلى أهمية خصائصها ومنافعها للحاضر والمستقبل. وعليه دفاعي عن شجرة البرسوبس دفاع عن الحياة. دفاعي عن شجرة البرسوبس دفاع عن فوائدها ودورها وأهميتها. أهمية الشيء تأتي من الدور الذي يلعبه هذا الشيء، وأيضا تأتي الأهمية من ندرته هذا الشيء. شجر البرسوبس من النباتات النادرة والناجحة في تخطي تحديات التصحر، يتحمل أقصى درجات الحرارة المرتفعة وأيضا المنخفضة، ويتحمل ملوحة الأرض العالية. شجر البرسوبس يعتمد على نفسه في نجاح نموه وانتشاره, وله أيضا فوائد اقتصادية يمكن أن تشكل محور نشاط اقتصادي يعول عليه. لكل نبات على وجه الأرض وجهان. وجه يحمل المنافع ووجه آخر يحمل التحديات. البعض ينظر إلى وجه التحديات ويعظمه وينسى وجه المنافع والعطاء. لجميع أنواع النباتات وظائف خاصة بكل نبات. وللأشجار وظائف منها: وظائف بيئية؛ وظائف جمالية؛ وظائف مناخية؛ وظائف هندسية؛ وظائف اقتصادية. شجر البرسوبس يحقق جميع تلك الوظائف ويعتمد ذلك على إدارة الإنسان لهذا النبات. البعض بجهله يحكم. بقصر نظره يصدر أحكامه. بعجزه يلقي باللوم على الشجر والنباتات حتى وصل بالبعض حد اصدار مصطلحات على الشجر بأنه سرطان، وأضافوا بأنه خبيث. الله لا يخلق إلا خيرا والناس تتسبب في أمراضها وشقاءها وانحراف الخير إلى الشر والمنافع إلى مضار. في غياب الإدارة الرشيدة تطفو التحديات في كل مجال. في غياب التخطيط تأتي العشوائية. في غياب الاستراتيجية تتوه المنافع وتتحول على تحديات. في غياب الرؤيا يأتي العمل الارتجالي الخاسر. أمام الحاجة الملحة لابد من تجاوز المحاذير التي تفرض نفسها بقوة. على سبيل المثال: هل تلغي احتمالية وجود محاذير فشل العمليات الجراحية الصحية اجراء هذه العمليات للمريض الذي يعاني؟ البحث عن تعزيز الحياة يكسر طوق المحاذير. يجعل الإنسان يقتحم قلاع وحصون التحديات وفق حسابات التطلعات. يخضع التحديات لصالحه ولا يهرب من مواجهتها. الهروب من مواجهة التحديات استسلام لنجاح التحديات وانتشارها وسيطرتها على قوى وطاقات الإنسان. فيقف عاجزا عن مواجهتها. البعض من العرب ومع هذه الحالة يرفع شعار: “الباب اللي يجيك منه الريح سده واستريح”. أليست هذه دعوة صريحة لسيادة العجز وتثبيط قوى العقل وطاقات الفرد؟ بدلا من التحفيز للبحث عن حل ومخرج يدعون الى الاستكانة والخضوع وإطفاء شموع إبداع العقل عنوة. البعض لا يرى إلا أطناب العجز فيعظم من شأنها. إذا كان أمر اقتحام قلاع التحديات يأخذ مجراه مع صحة جسم الإنسان، هذا الكائن الأهم على وجه الأرض، فإن هذا المبدأ يمكن تطبيقه على كل مناحي الحياة، ومنها البيئية التي نعيش في كنفها ونسعى أن تكون بيتنا المثالي. المجال الصحي خير نموذج أشهره في وجه دعاة اجتثاث شجر البرسوبس والدعوة للقضاء عليه. هل ينظرون للأمر بعين واحدة؟ المبررات التي يسوقون لها ويروجونها بين الناس ليس لها أساس علمي منطقي في ظل ظروف بلدنا الجافة والصحراوية الخالية من الغطاء النباتي في أكثر أجزائه. يستندون في تبريراتهم على غيرهم من خارج المملكة. لكل بلد ظروفه الخاصة. ما يرونه مضر في بلادهم قد يكون نافعا لنا في بلادنا. وهذه شجرة البرسوبس خير مثال. هناك استثناءات كثيرة يفرض الواقع تطبيقها رغم وجود محاذير تصل حد تهديد الحياة. لكن من أجل المحافظة على تعزيز الحياة لابد من تجاوزها دون خوف وتردد وخشية. وهذه المحاذير الصحية من إجراء العمليات الجراحية هي السائدة والتي في نهاية المطاف ستفضي إلى الموت حتى بدون عمليات. علينا اتخاذ قرارات صعبة لتجاوز المحاذير. نجري العمليات الجراحية حتى وإن كانت نسبة نجاحها لا تزيد عن (5) بالمائة. وهذه نسبة متدنية جدا، لكنه الأمل يقود لإجراء العملية. تعزيز الحياة ضرورة شرعية للإنسان. هي كذلك حتى لشركائنا في الحياة. ديننا الإسلامي الحنيف يدعونا لاحترام حق حياة الكائنات الأخرى في البيئة من شجر وخلافه. يتحمل الجسد ألم العمليات الجراحية من أجل علاجه. نستأصل أجزاء من الجسد من أجل علاجه. نستبدل أجزاء من الجسد من أجل علاجه. نزرع أجزاء في الجسد من أجل علاجه. يتم هذا من أجل تعزيز الحياة وجودتها. الأدوية خير مثال على تجاوز المحاذير. نتناولها ونحن نعرف أن لها أعراضا سلبية على الجسد. لكن البحث عن مسببات نجاح التمسك بالحياة يجبرنا على تناولها. عدم الأخذ بالأسباب دعوة صريحة إلى التهلكة. تهلكة النفس. تهلكة البيئة. تهلكة شركائنا في البيئة. نحن نعيش في بلد واسع المساحة (2.15) مليون كيلومتر مربع. بلد متعدد البيئات أكثر مساحاته خالية من الأشجار، وهذا مرض بيئي. ثم ننادي باجتثاث أشجار البرسوبس والتي تنمو بدون تدخل بشري وتكاليف لزراعتها. من يدعو الى اجتثاثها كمن يدعو الى إلغاء العمليات الجراحية لمعالجة الأجسام بحكم أنها قد تفشل. أيضا كمن ينادي بإلغاء الأودية التي تعالج الأسقام بحجة أضرارها الجانبية. هل هذا منطق مقبول مع قلة الغطاء النباتي في بلدنا؟ لنبحث عن عوامل تعزيز انتشارها دون ضرر. معظمها مساحة بلادنا حفظها الله، خالية من النباتات، سواء في مناطق الصخور الرسوبية التي تشكل ثلثي مساحة المملكة، أو حتى في مناطق الدرع العربي الذي يشكل بقية مساحة المملكة، مناطق: (مكة المكرمة، المدينة المنورة، الباحة، عسير، جيزان، نجران). على سبيل مثال نجد شريط سهول تهامة المحاذية للبحر الأحمر من شمال المملكة إلى جنوبها عبارة عن مساحة خالية في معظم أجزائها من الأشجار. كنتيجة هي موطن انتشار الغبار في معظم شهور السنة. هذا الغبار الذي يصعد إلى مناطق جبال الحجاز والسراة. مسببا تلوثها بالغبار العالق الذي يؤثر حتى على براعم نمو النباتات، ويسبب الكثير من المشاكل الصحية لكل سكان هذه المناطق المرتفعة. في ظل هذه الظروف نجد من ينادي باجتثاث شجرة البرسوبس الذي نجح نجاحا باهرا في التكييف مع هذه البيئة الرملية الحارة. إذا كان هناك خطأ أو ضرر من هذه الشجرة فيعود سببه إلى الإنسان وليس هذه الشجرة. وعلينا البحث عن عوامل مسببات الضرر الناتج عن سوء إدارة البيئة وهجرها. معظم النباتات في بلادنا هي نباتات مستورة من الخارج، فلماذا يطلقون على شجرة البرسوبس اسم (نبات غازي) وبقية النباتات يتم استثنائها؟ النباتات الخارجية والدخيلة تنتشر في كل مكان. نجدها في الحدائق العامة، والمنتزهات، والشوارع وحدائق البيوت، تغطي كل أجزاء المملكة العربية السعودية. لماذا لا نغلق الموانئ والمنافذ في وجه كل نبتة؟ هل يعقل أن نختار شجرة البرسوبس رغم نجاح مقاومتها للتصحر وللملوحة، وتحملها أشد درجات الحرارة ارتفاعا وأشدتها انخفاضا مع صبرها على العطش. توفر الظل الذي نحن بحاجة إليه في بيئتنا الصحراوية والمقفرة. ماذا يقصدون بنبات غازي؟ شجرة البرسوبس جاءت مع شركة أرامكو لزراعة المناطق السكنية لهذه الشركة في البراري والصحاري بالمنطقة الشرقية. وشاهدتها منذ صغري عام (1961) في حدائق مدرسة بقيق الابتدائية. ثم في منازل البيوت وحدائق شركة أرامكو. أرامكو تزرعها منذ تأسيسها حتى الوقت الراهن، ومشاريع تشجير الطريق بين الاحساء والظهران بزراعة البرسوبس خير دليل. كذلك زراعتها على طريق المطار في الدمام. وكذلك زراعتها في مكافحة زحف الرمال في مشروعنا التاريخي لزحف الرمال عن واحة الاحساء الذي تأسس عام 1961، بهدف زراعة (10) مليون شجرة، البرسوبس محورها، قبل أن يقضى عليه ويلغى من قبل الوزارة المعنية. هكذا أرامكو تزرعها وتتوسع في زراعتها ووزارات تعمل على اجتثاثها. تناقض يوحي ويقول. نحن من استوردها لمقاومة التصحر وملوحة التربة، وزحف الرمال وتوفير الظل. هذا يعني وجودها في بلادنا ضرورة ملحة كانت ومازالت وستظل. شجرة البرسوبس لم تكن غازية لبلادنا حفظها الله، نحن من استوردها ونشرها. لكنها تملك ميزة الانتشار الذاتي مثلها مثل شجر الطلح. وهي من فصيلته. فهل نعتبر شجر الطلح الذي ينتشر كالنار في الهشيم في الأراضي الزراعية المهملة نبات غازي؟ ما يقع على شجر الطلح يقع على شجر البرسوبس من ناحية الانتشار وسرعة النمو في الأراضي البور والأراضي الزراعية المهملة. يقولون أن شجرة البرسوبس تقتل الأشجار المحلية، قمت بأكثر من 15 زيارة ميدانية لبعض مناطق سهول تهامة من الليث حتى محافظة القنفذة. شاهدت انتشارها في مناطق على مد البصر. ذلك سرني كثيرا. مناطق خضراء بشكل مستدام. وأتساءل أين الأشجار المحلية التي كانت منتشرة وقتلتها شجرة البرسوبس؟ وجدت في أماكن كثيرة أن شجرة البرسوبس تنمو بجانب نباتات محلية، ومتداخلة الأغصان معها. هذا يعني تداخل جذورها أيضا. شاهدت في أماكن كثيرة نباتات محلية ميتة. وكانت هذه الأماكن خالية من شجر البرسوبس. وهذا يدحض ادعاءات أنها تقتل النباتات المحلية. شاهدت في منطقة الرياض أن مصدات الرياح خليط من أشجار البرسوبس وأشجار الأثل وأشجار أخرى وجميعها متعايشة ولم يقتل بعضها البعض. يقولون أن شجرة البرسوبس ذات جذور طويلة تمتد لأمتار وأن هذا يسحب المياه الجوفية التي أدافع عنها. لهم أقول: جهلكم بخصائص ومميزات النباتات الصحراوية يجعلكم تقولون بهذا وترونه مأخذ على شجرة البرسوبس. يقولون بهذا الرأي وكأن الأشجار المحلية بدون جذور. يقولون بهذا الرأي ويروجون له، وكأن جذورها تصل إلى المياه الجوفية غير المتجددة. وهي على بعد عشرات الأمتار في مكامن لا يمكن تعويضها. وأيضا لا يمكن الخروج من هذه المكامن الا بحفر الآبار الارتوازية العميقة. وهي مياه تحت ضغط هائل. تتميز النباتات الصحراوية بأنها ذات جذور منتشرة لمسافات طويلة جدا. وهذا يثبت أن شجرة البرسوبس أحد الأشجار الناجحة لمكافحة التصحر بما تملكه من جذور طويلة منتشرة بحثا عن الرطوبة في الأرض. وبالنسبة للمياه الجوفية المتجددة والتي يتم تعويضها بمياه الأمطار، فأن شجرة البرسوبس تستهلك أقل مما يتبخر بفعل انعدام الغطاء النباتي، والتي يصل البخر في بعض المناطق المكشوفة إلى حوالي (6000) ملم سنويا. وهذا يفند أن شجرة البرسوبس تؤثر على المياه الجوفي في الصحاري والقفار وخاصة سهول تهامة المفتوحة والمنبسطة من الرمال الخالية من الغطاء النباتي. يقولون أن شجرة البرسوبس تقتل الانعام التي تقتات عليها -ثم قالوا بعد ثلاثة أشهر من الحياة عليها كغذاء- ولهم أقول وببساطة: هات حالة واحدة في المملكة نفقت فيها الأنعام بسبب البرسوبس. وتفسيري لهذه الظاهرة التي يدعون أنها حصلت في دول انتشرت فيها البرسوبس. أن الأنعام بغريزتها لا تتناول النباتات السامة. لكنها تقضي على النباتات غير السامة لتسود النباتات السامة وتنتشر في حال كان الرعي جائرا وبدون تخطيط. السؤال: هل يستطيع أي كائن حي أن يقتات بغذاء من نوع واحد لأكثر من ثلاثة أشهر ثم ينجو بنفسه؟ عندما تقتات الأنعام على النباتات التي تفضلها وبسبب رعيها الجائر وبعد القضاء عليها تنتقل إلى التهام فروع شجرة البرسوبس وأوراقها، ولأنها لا توفر كل العناصر الغذائية فإن الانعام تصاب بالهزال وقد لا تستطيع مقاومة الأمراض فتموت. هذا ما يحدث. في وقت تعاني البيئة من أوجاع العطش، وانعدام الغطاء النباتي في أجزاء ومساحات واسعة من الوطن حفظه الله، تتعالى الأصوات بالتخلص من (شجيرة البرسوبس). هذا النبات الأخضر الصامد في وجه تحديات الظروف البيئية الشديدة الصعوبة صيفا وشتاء. أليس كافيا على البيئة قسوة المناخ، وندرة المطر، وغياب المياه السطحية؟ هل تصحر التفكير هو الآخر؟ لماذا غابت الأصوات والغيرة مع موت غابات شجر العرعر المحلي في المناطق المطيرة؟ البعض يختلق بطولات ضد (البرسوبس) الناجحة النمو والانتشار في ظروف الجفاف المحلية دون ري. لماذا الحملة الشرسة على حق حياة هذه الشجيرة الصامدة بنجاح في ظل الجفاف وتحدياته؟ اتقوا الله في البيئة. لا تزيدون من أوجاع تصحرها وقلة غطائها النباتي وشح مائها. الغطاء النباتي أحد أهم وسائل نزول مياه الأمطار من السماء.