نص معقد أو نص صعب.
خلال متابعتي أحد اللقاءات مع الكاتبة العراقية إنعام كجه جي، أوردت ملاحظة مهمة قالت فيها إن الكتاب في زمن سابق كان هو سيد المكان. ولكن الآن، مع توفر وسائل التواصل، والعديد من المنصات، أصبح من الصعب اجتذاب القارئ كما في السابق، وتعتقد أن الكاتب يدين للقارئ بأن يكتب له نصاً جيداً يجذبه للقراءة، ويحقق له المتعة، دون أن يشعر القارئ بالملل أو الثقل. في الآونة الأخيرة، انتشرت ظاهرة بين مجاميع القرّاء، تتلخص في عجز قارئ عن فهم نصوص كتاب ما، أو الإعجاب به، لتنهال عليه سهام الاستنقاص، بدعوى أن هذا الكتاب ليس لكل قارئ؛ وإنه هو للنخبة. لم تكن تثيرني مثل هذه الآراء في السابق، ولكن لكثرة تداولها هذه الأيام، صارت مزعجة. قبل أيام، في جلسة مناقشة إحدى الروايات، تحدث أحد الأصدقاء وأبدى رأيه فيها، فعارضه آخر، وقال: “إن هذه الرواية ليست لكل قارئ”. فلماذا لا يعطى القارئ حقه في تقييم أي كتاب، دون انتقاص أو تهكم؟! ولا تنتهي الظاهرة بين القراء؛ بل أصبح العديد من الكُتّاب يتابعون حسابات تقييم الكتب، ويشنون حملات شعواء ضد من لم تعجبه كتبهم. ومن الغريب أن مثل هؤلاء الكتّاب، الذين يفترض فيه الوعي بأن انتقاد الكتاب أو تقيمه لا يمسّ شخص الكاتب، بقدر ما هو تقييم لنص خرج من سلطة وسيطرة كاتبه، إلى سلطة وسيطرة القارئ؛ إذ ليست وظيفة الكاتب تقييم نصه بنفسه، بل أن يترك للقارئ حرية التجول في جنبات النص، والتعبير عن رأيه بحرية، دون تطاول بالتأكيد على شخص الكاتب. قبل عدة أيام، ذكرت إحدى الشخصيات البارزة في مجال الأدب عن حادثة وقعت في أمريكا؛ حيث قامت إحدى الكاتبات بالرد على فتاة وضعت تقييماً متدنياً لروايتها، فقالت الكاتبة: آسفة أن الكتاب لم يعجبك. يمكنك استرداد المبلغ. هذا التصرف -برأيي- يعتبر تعدياً على مساحة خاصة يفترض أن يجد فيها القارئ الحرية. يجب أن لا ننسى أن لكل شخص ذائقته الخاصة في القراءة. فالبعض معتاد على قراءة الروايات البوليسية. وعند إطلاعه على الأعمال التي تتناول الفلسفة، أو ربما بعض الكتب ذات المواضيع العلمية، سيجد فارقاً كبيراً في الأسلوب. قد يتقبلها، وقد يشعر بأنها لا تناسبه. وقد يحدث ذلك عند قراءة بعض الروايات العاطفية التي تتناول قصص الحب، رغم تضمنها بعض المشاكل الاجتماعية، مثل رواية “أنّا كارنينا” للكاتب الروسي ليو تولستوي، لكنها قد لا تناسب كل القراء. الإعجاب بالعمل، أو عدمه، لا يقاس بعدم فهمه، وبأن من قرأه لم يتمكن من استيعابه. إنما، وبكل بساطة، هذا النص لم يناسبه. إن قراءة الأعمال الأدبية ليست -بالضرورة- قراءة أكاديمية للبعض فحسب، لكنها أيضاً وسيلة ترفيهية وتعليمية. وكما قالت إنعام كجه جي؛ الكاتب يدين للقارئ بأن يمتعه خلال القراءة بنص جيد، وتضمين المعلومات التي تتناسب مع النص والقصة.