تعيش منطقة الجوف مرحلة تنموية استثنائية، حيث تبدو تمظهرات التنمية جليّة في محطات الطاقة المتجددة التي ترفد المنطقة بطاقة نظيفة و دائمة ، وفي الاستثمارات الزراعية في بسيطا مركز المشاريع الضخمة، وفي السياحة التراثية المتوهجة عبر مراكز زوّار الآثار في عدد من مدن و محافظات المنطقة، وفي الملامح العمرانية والخدميّة المتزايدة. لذا يأتي دور التنمية الثقافية كذراع فكرية و معنوية غير محسوسة لتعزيز وتطوير القيم والمعارف والتفكير والمهارات بما يتناسب مع الحراك التنموي المتسارع. هذه المفاهيم التي تعد إطاراً نظرياً هاماً ترتكز عليه التنمية المادية و تنمو قوية من خلاله، فهي الجذور التي تربطها و تشدّها بالأرض حضارةً و انتماءً. وهنا يبرز دور المثقف كقوّة ناعمة مؤثّرة في بناء المفاهيم الجديدة و تطوير الأفكار و الأنماط الذهنية وتعديل و بناء قيم تنموية جديدة تتناسب مع الحراك السريع و المُتنامي. إن المثقف الحقيقي ليس ذلك الذي يمتلك الخلفية المعرفية الضخمة و المَلكة النقدية فحسب بل ذلك الذي يمتلك القدرة النفسية والاجتماعية على الانخراط في النشاط الثقافي للتأثير الإيجابي و العمل على تمكين المصطلحات و المفاهيم والأنماط الذهنية الحديثة في عموم الجماهير ، و هذا ما يُسمّى بـ (المثقف العضوي)، أي العضو المؤثر و النوعي في المجتمع. بعكس (المثقف الصفري)الذي يقبع بقدرته المعرفية واللغوية والفكرية خارج أسوار المجتمع ، منعزلاً أو متعالياً على دوره التنموي. إن قيمة المثقف الحقيقية هي بمقدار تأثيره الدقيق والعميق في عملية التثقيف والتوعية، الأولى تتجلى في إيضاح معاني ومقاصد المفاهيم التنموية الجديدة والثانية تُعنى بتعزيز القيم الوطنية والإنسانية وتحسين الأنماط الذهنية عبر توسيع مجالات و اتجاهات تساؤلات التنمية. اليوم لدينا في منطقة الجوف حراك تنموي هائل يتطلب تأثير المثقف الحقيقي تأثيراً واعياً في تعزيز التنمية الثقافية. إنّ انخراط المثقف في مجتمعه واحترامه لهذا المجتمع يعد قيمة أخلاقية و وطنية و اجتماعية عالية تُكسبه قبولاً يستطيع من خلاله التأثير الدقيق والعميق، كما أنها لبِنة في بناء فرد واع متصالح مع نفسه ومجتمعه و قادر على التأثّر الواع و التأثير النوعي، أي تعزيز المجتمع الحيوي الناهض بالتطلعات الوطنية الكبرى. وأختم بشي من شعري عن “جوفنا” الجميل: و “الجوف” ميلادُ البهاءِ بها نما غصنُ الجمال و بعثر الأطيابا فهنا نسجنا “السدو” فناً خالداً و هنا عزفنا للقصيدِ “ربابه” وهُنا تهادى “زعبلٌ” بجلالهِ و هنا تمرّد “ماردٌ” أحقابا وهنا “الحضارةُ” أشرقتْ أنوارُها و هنا “البدواةُ” أوثقتْ أطنابا وهنا الفصاحةُ و الرجاحةُ و الرؤى وهنا اتساعُ صدورنا ترحابا مرحى أمير الدار دارُك في العُلا وتظّلُ أنتَ لمجدنا عرّابا *شاعرة و كاتبة منطقة الجوف