‏نعيم البطء

‏هل بقي فينا من يقف أمام البحر أو المنظر الأخاذ في الطبيعة أو يستغرق في قراءة كتابٍ يحبه أربعَ ساعات أو أكثر دون أن يشعر بالملل أو ضياع الوقت؟! ‏أعجبني كلام لأحد المتخصصين في علم النفس، يضع فيه ضمن علاجات الاكتئاب العملية:  ‏البطء..  ‏لقد توقفتُ عند كلمته طويلا.. ووقعت مني، كما ستقع من كثير منكم، على جر.. ‏نعم، إن نمط الحياة المعاصر نفسه يُعَدّ سبباً من أسباب الكآبة التي تتكدس حتى تُدخل صاحبها في دوامة الاكتئاب الأسود -عافانا الله وإياكم- الذي تصبح الحياة معها جحيما.. ‏هذه العجلة في الأفكار والمشاهد والمهام اليومية المتدفقة التي قد يثقل كل واحد منا كاهله بها دون حاجة، وغير ذلك، بحيث أننا لا نكاد نتذوق لذةً روحية ونعطيها ما تستحق من الوقت والإحساس لتُعطينا بدورها السكينة والدفء والسعادة، وليحدث أثرها فينا. ‏جرّب أن تمارس كل نشاط يومي ببطء، في القراءة مثلا لا تحمل هم الكتب المتراكمة المنتظرة، اقرأ الكتاب بكل ما فيك من إحساس وتأمل وتفكّر، واستَعِدْ لذته بالاقتباس وبقراءة مقاطع منه على صديق أو قريب ونحو ذلك، كما يقال (لا يكن همك الصفحة الأخيرة).. وقل مثل ذلك في كل نشاط يومي ذي بال . ‏الصلاة، وما أدراك ما الصلاة، كم نحرِم أنفسنا من بركاتها ولذتها والطمأنينة التي تبثها في نفوس الخاشعين وحلاوة الإيمان.. ونحن ننقرُها نقراً ونقطعها في التفكر والانشغال بأمور الدنيا، حتى كأن الواحد منا ما صلّى.  ‏العلاقات الاجتماعية، القرابة، الأصدقاء، الاجتماعات الصغيرة والكبيرة، نشوة التأمل في أفكار الآخرين وحركاتهم وأحاديثهم الودية والتفاعل معها، الاستماع بحب لقصص كبار السن من آبائنا وأجدادنا مهما كُرّرت وطالت.. الانغماس في الجو العائلي الحميم وإدخال السرور على من حولنا. ‏هل نعيش كل ذلك بكامل وعينا وشعورنا، أو أننا نعيش أبداً مخطوفين من أنفسنا، نشعر بأننا مُطارَدون دائماً، من ماذا، لا نعلم، لكن علينا أن نركض وحسب؟!