الروائية جمانة السيهاتي:

دخول الرواية السعودية للدراما تحول ثقافي كامل.

الروائية السعودية جمانة السيهاتي؛ كتبت مجموعتها القصصية باكرا ومالبثت ان وجدت نفسها في كتابة الرواية، حاضرة بقوة في اتون الحراك الثقافي ومديرة لدار نشر، تكافح من اجل صورة اجمل ومشهد يرتقي بالانسان عبر ثقافة حية تنحاز للانسان وقيمه الخيرة، كتبت كتابها عزيزي سين وقت الجائحة بلغة حميمية ومشاعر تحاكي الحالة المعاشة يومها فوصلت للكثير من الناس، تأمل ان تكتب الكثير قبل بلوغها الأربعين كي تتخفف من اعباء كثيرة وتجعل من العمر مسرح لحياة قابل للعيش لكن مع دهشة مستحقة، تنظر للمستقبل بوعي مضاعف وتأمل بأغنيات جديدة والكثير من قراءة الكتب. * هطول عبر القص والرواية وتشعب في الشعر؛ اين تجد السيهاتي نفسها؟ كانت بدايتي الخجولة على ضفاف القصة القصيرة، كتبتُ أولها حينما كنتُ في المرحلة المتوسطة وأنا أضع نصب عيني شكل كتابي الأول، وكتبتهُ مجموعةً قصصية، وبعد كتابي الثالث وهو روايتي الأولى وجدتُ في الرواية بحري الذي نصبتُ شطره أشرعتي. * كتبت (عزيزي س ) في اتون جائحة كرونا كما كتب الآخرون؛ ما الذي يميز (عزيزي س ) برأيك في الطرح؟! عزيزي س كانت الرسائل التي أكتبها لنفسي خلال الجائحة، لم أكن أرغب في التمييز، بقدر رغبتي في توثيق ذاتي ومشاعري المتشعبة في تلك الفترة. وازعم أنني وصلت إلى هدفي. * اصوات الناس تندمج كأنها موسيقى كونية، إنها مدهشة من نوع آخر تطربني وتشعرني بالحياة. ؛ إلى اي حد ممكن للغناء ان يخلق مفارقة فارقة بين الناس وحياتهم؟ أعتقد أن الغناء يعيد تعريف المشاعر، تلك التي تراودك ولا تعرف لتفسيرها من سبيل. يأخذك خارج اللحظة التي تخشى الانغماس بها وهنا تتشكل المفارقة بينك وبين حياتك كيف ما كان شكلها. وأعتقد أن الغناء ذاته هو مفردة واسعة تشمل كل الأصوات، حتى التي لا نسمعها. * في (اربعون شبيها) تحدثت عن الرحيل الدائم وبأن الرحيل لا يمكن ان يكرر نفسه؛ السيهاتي كيف تقرأ الغياب؟ الغياب هو إلتباسٌ لغوي، لفظةٌ يتغير معناها كل يوم. الغياب هو ذلك الفراغ الذي يتكاثف بداخلك حتى تشعر به محسوسًا وملموسًا، مادةٌ لا تعرف كيف تصنفها. هو الفعل الذي يبحث بشكلٍ دائمٍ عن مسوغات، ويعود خائبًا في كل مرة. * في الامسية التي تحدثت فيها مؤخرا في الشريك الادبي عن الرواية السعودية وتحولاتها، قلت ان تحويل الرواية السعودية إلى عمل درامي ساهم في نشر ودعم الرواية المحلية، واننا امام تحول ومشهد اكثر جمالا لو دخلت هذه الروايات والقصص إلى السينما والمسرح. هلا افضت في هذا القول؟ دخول الرواية السعودية إلى الدراما والسينما والمسرح ليس مجرد تجربة فنية، بل تحوّل ثقافي كامل يغيّر علاقة المجتمع بالأدب. يصل ناحية الشريحة التي لا تقرأ، ويحول النص إلى ذاكرة بصرية، وطنية ومشتركة بين فئاتٍ عدة. كما أن ذلك يغير مفهوم العرض والطلب بالنسبة لدور النشر السعودية، وكتّابها، وقرائها كذلك. قس على ذلك رواية غراميات شارع الأعشى التي نُشرت في ٢٠١٣، وتحولت إلى مسلسل تلفزيوني في ٢٠٢٥ وبناءً على ذلك أُعيد نشرها مجددًا، وتداولتها الأيدي بشكلٍ مكثف. * ماهي الاعمال الروائية المميزة في المنتج السعودي برأيك وهل نحن في زمن الرواية كما يقال؟ نحن في زمن الرواية بلا شك، بل أنها تهطل علينا بغزارةٍ يصاحبها خلاف طويل مع الوقت الذي ينساب من بين أصابعنا دون أن يتيح لنا فرصة قراءتها كلّها. واستطيع أن أقول من بين الأعمال السعودية التي قرأتها مؤخرًا ووجدتُ فيها الدهشة التي أبحث عنها بشكل مستمر: مسرى الغرانيق في مدن العقيق، أغصان المنزل، حفرة إلى السماء، أفعى تأكل ذيلها، بحر الميزان.. والكثير الكثير حقيقةً، بل أنني بين فتراتٍ متقاربة دائمًا ما تقع يدي على عمل سعودي ممتلئ بالجمال. * اصدرت سبعة اعمال حتى الآن، اليس هذا هطول عزير ام انك تدرسين مشاريعك وتوقيتها؟ أنا أدرس أعمالي نعم، أقضي وقتًا طويلاً في التفكير فيها قبل كتابتها، وأثناء ذلك، لكنني لا أدرس توقيتها، أعتقد أنها تأتي دائمًا في الوقت المناسب. ولا أخفيك سرًا كان شيئًا من طموحي أن أنشر عشرة أعمال قبل وصولي إلى الأربعين من عمري، لكنها تقترب وأعمالي سبعةً لم تزل، ولا أرغب في استعجالها. * لو قيل لك ان لك برقيات عليك ان تبعثي بها لكل من: عبدالرحمن منيف، رجاء عالم، بدرية البشر، عبده خال، اميمة الخميس، كل على حده ماذا تقولين؟ عبد الرحمن منيف: أيها الكاتب الذي صنع من الصحراء الوطن الأمثل للرواية، وأقام مدنه فيها، وفي ذاكرة القارئ. ماذا لو أخذك الوقت إلى حاضر اليوم.. كيف ستكتبك الصحراء؟ رجاء عالم: لم تكتبي رواية، بل كتبتي عالمًا يتداخل بسحره مع أزقة مكة التي تلونت بألوانٍ لم تُرى إلا بريشتك! لو كنت على ضفاف الخليج، بأي لونٍ ستكتبين البحر؟ بدرية البشر: لكتبك صوت الحكاء العذب، الذي يجتمع السامعون على ضوء حكايته، يُفكك العادي ليجعله غير عاديًا. ويراوغ الحياة لتتوهج بشكلٍ مختلف. كيف تختارين زاوية السرد التي تضيء حياة المرأة السعودية بلا ضجيج… وبلا تنازل؟ عبده خال: لرواياتك قسوة عصية على النسيان، ودهشة لا تتولد إلا في صفحاتك. فهل تتعمد كتابة الوجع في الأسئلة؟ أميمة الخميس: يا سيدة الكلمة، أخبريني كيف يمكن للسحر أن يمارس سطوته على الكلمات؟ وكيف لموسيقى النص أن تتغير لتصبح لحنًا شجيًا حينما تكتبينها أنت؟ * ماذا تعني لك الكتابة الإبداعية في الزمن المسكون والمهووس بالقبح؟ الكتابة هي فم من لا يقوى على رفع صوته، فم من يرفض أن يكون للقبح سطوة على عالم يوجد فيه قلم! هي المساحة التي نحتاجها لنبكي، ونضحك، وندعو ونحب.. ونكره أيضًا، وفيها نعثر على أنفسنا، لتكون هي فعل التعبير والتغيير الذي نحتاج إليه لنبقى على قيد الحياة. * هل مارس النقد في المشهد السعودي سطوته في إبراز اسماء واعمال لا تستحق التوقف عندها. وهل واكب النقد الحركة الإبداعية واضاف لها ام انه مازال يهوم على تخوم الاعمال الهشة؟! أعتقد أن النقد كان يساهم في إبراز بعض الأعمال التي لا تملك مايكفي من العمق، وكان يتوقف أحيانًا أخرى عند أعمال جديرة حقًا بذلك التوقف، بيد أن الوقوف كان طويلًا إلى الحد الذي يجعل المتلقي يظن أن لا أعمال غيرها في الساحة. المشهد الإبداعي يتقدّم بسرعة، بينما النقد ما يزال يطلّ من الأطراف، أو يدور حول أساسيات قامت عليها الرواية الاولى في المنطقة، متناسيًا أن الأدب ينمو ويتطور ويتغير كل عام.