محمد العلي التركي..

العالم المعلم في المساجد الثلاثة.

سمعت بالشيخ محمد العلي المحمد التركي بوقت مبكر وما عرف عنه بالمدينة المنورة من زهد وبعد عن الأضواء مع محبته للتعليم وتشجيعه لطلبته، وعلمت أن الملك المؤسس عبد العزيز قد زاره في بيته عند زيارته الأولى للمدينة تقديراً منه للعلم والعلماء.  بعد أن اطلعت على كتاب الدكتورة ثريا التركي (حياتي كما عشتها) عند زيارتها الأولى لمدينة عنيزة - حيث ولد والدها - عام 1986 مع زميلها دونا لدكول لإعداد كتاب (عنيزة .. التنمية والتغيير في مدينة نجدية عربية) في جامعة جورج تاون، بدعم من مركز دراسات الشرق الأوسط وقسم الأنثروبولوجيا في جامعة تكساس بمدينة أوستن الأمريكية، والتي ترجمها للعربية الدكتور جلال أمين سنة 1991.  قالت إنها أقامت عند ابن عمها وزوجته في عنيزة القديمة، وبعد أن اطلع ابن عمها الصديق الأستاذ ابراهيم بن عبد الله التركي - أبو قصي - على الكتاب علق قائلاً: « أخي أبا يعرب:- لقد مر علي في إحدى صفحات الكتاب أن أخوين من أعمامنا في المدينة المنورة هما الشيخ إبراهيم العلي التركي وأخاه محمد، وهذا خطأ فإن إبراهيم تاجر وهو أبو علي البراهيم التركي الذي كان مدير جمارك مطار الظهران لسنوات طويلة وله أولاد غيره أصغرهم الدكتور منصور البراهيم التركي مدير جامعة الملك سعود الأسبق، أما محمد العلي التركي أخو إبراهيم الأكبر فهو الشيخ الجليل وهو من أكبر علماء نجد في وقته، وقد درس في الحرم المكي وانتقل إلى المدينة المنورة وسكن فيها وكان يُدرِّس في المسجد النبوي إلى أن توفي رحمه الله، وهو من أبرز مدرسيه في وقته إن لم يكن أكبرهم، ويمتاز بالصراحة في الحق، وأهل المدينة يحبونه كثيراً والكمال لله وحده، وهو لم يدون له على حد علمي شيئاً من علمه، والعلم تدوين والباقي ذكريات ما أسرع ما تنقضي وهو لا يخبر بما يفعل، وكان محباً للسفر والسياحة، ويسأله معارفه لماذا تسافر؟ وكان السفر في وقته للعمل أو لحاجة، فيقول (خبل سايح) وصار مثلاً، وبما أنه لا يخبر عما عمل وكان من بعض مقاصده السفر إلى المسجد الأقصى، وقد صرح الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين أن الشيخ محمد العلي التركي درَّس في المسجد الأقصى وأثنى عليه، وبهذا يكون من العلماء القلة الذين تهيأ له التدريس في المساجد الثلاثة التي يشد لها الرحال في الإسلام. فلولا ما ذكره الحاج لم نعرف عن تدريسه. ليس للشيخ محمد من الذرية إلا ابناً واحداً وثلاث بنات متزوجات ولهن أولاد من التركي والبسام، أما الابن فهو علي طالب علم ومحباً للسفر وكان أميناً لمكتبة عنيزة العامة، وقد تزوج امرأتين ولم يرد الله له الأولاد, 20 / 3 / 1447هـ » . بعد هذا التعليق من ابن عمه بحثت في مكتبتي فلم أجد له ذكرا إلا في كتابين (مشاهير علماء نجد) لعبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ، و(معجم المطبوعات العربية في المملكة العربية السعودية) لعلي جواد الطاهر.  قال عنه ابن الشيخ: « .. ولد بمدينة عنيزة وقرأ القرآن حتى ختمه نظراً وعن ظهر قلب بإجادة تامة وتجويد وإتقان ثم شرع في تلقي العلم على أشياخ بلدته… ثم سافر إلى مكة المكرمة للتجارة والبيع والشراء فشارك أخاه إبراهيم العلي التركي فصار أخوه إبراهيم يرسل له البضائع من جدة وهو يقوم ببيعها وتصريفها بمكة المكرمة، وفي المساء من كل يوم يقرأ على علماء الحرم الشريف فأخذ عن عدة علماء ... وكان رحالة يحب الأسفار والنقل قام بعدة رحلات خارجية وداخلية ففي أواخر سنة 1337هـ قام برحلة إلى الهند فزار عواصمها الأربع (دلهي) و(بومبي) و(حیدرآباد) و(كلكتا) فتجول في جميع أنحاء هذه العواصم مرشداً ومعلماً: تعلم مبادئ اللغة (الأوردية)، ثم رجع من الهند إلى الخليج العربي فزار البصرة وبغداد والكويت والبحرين ثم رجع للمدينة المنورة ماراً بالقصيم فتأهل بالمدينة واستقر بها وقرأ على المشايخ شعيب المغربي ودحمان، وفي عام 1340هـ قام برحلة إلى مصر وفلسطين وصام شهر رمضان في القدس وعيد بها وقام بإلقاء دروس نافعة في المسجد الأقصى على عهد مفتي القدس آنذاك السيد أمين الحسيني، ثم رحل إلى اللد وحيفا فدمشق فلبنان ثم عاد إلى القدس وأبحر منها إلى جدة ومنها إلى المدينة المنورة. وتحصل على إذن بالتدريس بالمسجد النبوي فأخذ يعقد الحلق ويلقي الدروس حتى حصل بينه وبين خطيب المسجد النبوي خلاف عقائدي فاستعدى عليه خطيب المسجد أمير المدينة آنذاك علي بن الحسين فنفاه إلى نجد فاستقر بمدينة عنيزة ولما دخل جلالة الملك عبد العزيز الحجاز جاء إلى مكة المكرمة فعينه الملك عبد العزيز قاضياً للمدينة المنورة وفي عام 1346هـ صدر أمر جلالة الملك بنقله من قضاء المدينة إلى مكة مساعداً لرئيس القضاة سماحة الشيخ عبد الله بن حسن واستمر حتى عام 1348هـ حيث طلب الإعفاء فأجيب طلبه وعاد إلى المدينة واستقر بها.. وفي عام 1357هـ سافر إلى نجد ومنها إلى الأحساء فالجبيل فالقطيف ومنها إلى قطر فعمان فرأس الخيمة والشارقة ودبي ومسقط ثم عاد من طريق البحرين إلى المدينة المنورة ماراً بنجد وعاد إلى سيرته بمواصلة الدروس في المسجد النبوي ومدرسة دار العلوم الشرعية فنفع الله به وتخرج عليه كثير من طلاب العلم، ولما افتتح معهد الرياض العلمي عام 1370هـ طلبه سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم مدرساً فيه فاعتذر، وكان إلى جانب معرفته التامة بالعلوم الشرعية له معرفة وعناية بالأدب القديم يستوعب ديوان المتنبي حفظاً وفهماً، ويروي الكثير من أشعار العرب وأيامهم .. جمع ثروة عظيمة من البيع والشراء وأنفقها على الفقراء والمعوزين .. وعاش عيش الزهاد والكفاف حتى توفي في 20 / 6 / 1380هـ»  وقال علي جواد الطاهر في المعجم: «... من آثاره: (ظهر رد على عبد القادر الاسكندراني اشترك فيه من سميا نفسيهما: ناصر الدين الحجازي وأبا اليسار الدمشقي)، والأول هو المترجم له (محمد بن علي بن تركي) والثاني هو الشيخ بهجة البيطار، وقد بعث لهما الملك عبد العزيز كتاب تقديراً على جهودهما...» والمصدر البسام - علماء نجد، وترجم له عبد الرحمن آل الشيخ وأخبار الكتابين متقاربة.  « عدد بكري ص 51 خصوماً للدعوة فذكر: عبد القادر محمد سليم الإسكندراني وكتابه (النطحة الزكية في الرد على شبه الفرق الوهابية ».  واتصلت بالأستاذ محمد بن صالح البليهشي المشهور بالترجمة لرجالات المدينة المنورة. فأفادني بانه كتب عن الشیخ التركي بموقعه بتويتر يوم الخميس 25 رمضان 1445هـ الموافق 4 ابريل 2024م، تحت عنوان (رموز في الذاكرة الشيخ محمد العلي التركي العالم الفقيه الزاهد) قال عنه قبل أن يستعرض سيرته ومسيرته: « .. ذلك الرمز الذي عرف بين الوسط المدني باسم محمد بن تركي الرجل العالم المتواضع الذي تميز بأخلاقه وقربه من الفقراء والمساكين وتميز بمظهره وطلاقة وجهه وتواضعه وحسن أخلاقه، عرفه علماء المدينة في أواسط القرن الماضي بقوة حجته والوقوف عند رأيه المدعم بالدليل، لا يكذب ولا يداهن ويتحرى في مطعمه وملبسه الحلال البريء لا يقترب من الشبهات ولا يجامل في الأحكام الشرعية، ويقف عند الحدود ولا يفارق المسجد النبوي خاصة في آخر حياته، صادق في قوله يكره الكذب ويحارب النفاق ويعادي أصحاب البدع والخرافات والشعوذة، عاش بالمدينة عيشة التقشف...»  قال إنه عاش بالمدينة قرابة سبعة وثلاثين عاما وعرفه أهل المدينة بصلاحه وتقواه.. «..مرض الشيخ ابن تركي في المدينة ولازمه مرضه لمدة تزيد على السنة مما اضطره إلى عدم استطاعته للخروج للمسجد النبوي .. وفي صباح يوم الجمعة الموافق للعشرين من جمادى الثانية عام 1380هـ غادر هذه الدنيا إلى دار الآخرة وصلت عليه جموع المسلمين بعد صلاة الجمعة في المسجد النبوي ودفن ببقيع الغرقد. رحمه الله.