ــــ أما خطاب معالي وزير الصحة رقم 1821 في 7/5/1422هـ فقد جاء فيه ما نصه : ((أشجار الغاف (البروسوبس) الذي يمثل القسم الأكبر من هذا الاخضرار الرائع البهيج والمتوفر في كل من العاصمة الرياض ثم مدن منطقة القصيم وتبوك ومدن أخرى بالمملكة)) ويضيف معالي وزير الصحة : ((إن وزارة الشؤون البلدية والقروية قد اعتمدت في قرارها على ما يقال من أن حبوب لقاح هذه الأشجار وقت التـزهير تتطاير في الهواء فتسبب الحساسية لبعض الناس)) ثم يؤكد معالي وزير الصحة ما نصه: ((لقد أثبتت الدراسات بأن فكرة إتلاف أشجار البرسوبس هي فكرة خاطئة. إن قرار إتلاف أشجار البرسوبس ليس له ما يبرره من سند علمي ومعلومات موثقة. إن معظم النباتات المزهرة تُنتج حبوب اللقاح ووقت تطايرها تسبب الحساسية لفئة من الناس لديهم الاستعداد الوراثي)) ـــ كما عارضته بخطابٍ رسميٍّ وزارةُ المواصلات وكان اعتراضًا مفصلاً ومما جاء في اعتراض وزارة المواصلات ما نصه: ((ولأن وزارة المواصلات قد اعتمدت على هذا النوع من الشجر في تشجير قسم كبير من الطرق التابعة لها وكان من أفضل الأنواع التي تحملت الظروف البيئية الصعبة)) وتضيف وزارة المواصلات فتقول: (( تُعتبر مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية هي المرجع العلمي الذي اعتمدته الدولة وقد قالت المدينة في تقريرها المفصَّل رأيها في المسألة بوضوح فقد جاء في التقرير: (( أن مسببات الحساسية والربو كثيرة جدا وتكاد لا تُحصى وإن علاقة حبوب لقاح النباتات بـهذا النمط من الأمراض معروفة منذ زمن بعيد وهي ظاهرة تتمتع بصفة العالمية فلا يخلو منها بلد أو مجتمع ومن الشائع تسمية هذا النوع من الحساسية باسم (حُمَّى القش) كما تُسمَّى (حُمَّى الربيع) إن شجرة البرسوبس هي واحدة من آلاف الأنواع النباتية التي تسبب حبوب لقاحها الحساسية أو الربو لدى فئة من الناس يمتلكون وراثيا صفة الاستعداد للإصابة بـهذه الأمراض إضافة إلى كل ما ذُكر آنفا فإن الفصيلة النجيلية (الثيل) تتحمل بمفردها حوالي 55% من حالات حُمَّى الربيع والربو وكذلك القمح والشعير يحتلان مساحة واسعة من مسببات الحساسية)) وتضيف وزارة المواصلات ما نصه: (( في المؤتمر الوطني الثاني الذي أقامته جمعية البيئة السعودية (البيئة والصحة) بمستشفى الملك فهد بجدة قدَّم الدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الحميدي دراسة عن (العلاقة المكانية بين أشجار البرسوبس وإصابات الحساسية بمنطقة القصيم) وقد انتهى بحثه إلى : ((أن العلاقة المكانية بينهما ضعيفة للغاية)) مؤكدًا أن هذه: ((النتيجة قد جاءت داعمة للأبحاث العلمية التي تستبعد وجود علاقة مميـزة بين أشجار البرسوبس وإصابات الحساسية)) وتضيف وزارة المواصلات في اعتراضها على قرار وزارة البلديات فتقول: (( بتارسخ28/8/1420 هـ نشرت جريدة الجزيرة ملخصا لبحوث ندوة عُقدت عن الحساسية وقد أظهرت أن نسبة الحساسية ببعض المدن المشجرة بالبرسوبس هي أقل بكثير من المدن المشجرة بأنواع أخرى فالطائف مثلا ليس فيها شيء من البرسوبس ومع ذلك فإن النسبة فيها بلغت23% كما بلغت في حائل 22% وفي جيزان 21% وفي الهفوف 14% وتماثلت القصيم مع أبـها 13% مع أن الأولى مشجرة بالبرسوبس بينما أن الثانية لا تعرفه وهذا من أوضح الأدلة على ما أكدته الندوة نفسها حين أوضحت أن: (( مسببات الحساسية لا حصر لها في كل مكان من البيئة)) وتضيف وزارةُ المواصلات في اعتراضها الحاد والمفصَّل على قرار وزارة البلديات فتقول: (( سبق أن أوضح مركز دراسات الصحراء بجامعة الملك سعود أن البرسوبس منتشر في الكثير من البلدان في مختلف القارات وهو النوع الأكثر ملاءمة للبيئة الصحراوية فهذه الشجرة هي الأمل الممكن في تخضير الصحاري كما أنـها من الأشجار التي يمكن أن تُستثمر في مجالات متعددة وليس فقط لتحسين البيئة وتخضير الأرض وتوفير الظل)) ــــ كما عارضتْ قرارَ وزارة البلديات وزارةُ الزراعة والمياه بخطابٍ رسمي جاء فيه ما نصه: ((نشرت الصحف أنكم طلبتم من الأمانات والبلديات والمجتمعات القروية التخلص من أشجار الغاف (البرسوبس) ولأن وزارة الزراعة والمياه معنية بالغطاء النباتي ومسؤولة عن حماية وتوسيع هذا الغطاء وتقيم سنويا أسبوعاً للشجرة وحيث أن المعلومات المتوفرة لدى الجهات البحثية تؤكد الأهمية البيئية والصحية والاقتصادية لهذا النوع من الشجر كما تؤكد أن البدائل التي تتحمل ظروف البيئة الصحراوية القاسية هي بدائل نادرة وأيضا سيكون لها عيوب ومشاكل أشد من عيوب شجرة البرسوبس ولأن السبب المعلن للإتلاف هو التحسس من حبوب الطلع وقت الـتـزهير لذلك رأينا ضرورة إيضاح موقف الوزارة من هذه القضية الوطنية البالغة الأهمية ونوجز لمعاليكم النقاط التي نرى ضرورة إيضاحها ثم يسرد خمسة أسباب لاعتراض وزارة الزراعة والمياه على القرار المتخذ حيال البرسوبس حيث تؤكد وزارة الزراعة والمياه ما يلي: ((أن مرض الحساسية مرض منتشر في كل بلدان العالم وهو أحد معضلات العصر الحديث فالحساسية ليست مرضًا محليَّا وإنما هو مرض عالمي)) كما أكد خطاب معالي وزير الزراعة: ((أن علاقة حبوب لقاح الطلع بمرض الحساسية هي علاقة معروفة عالميا وهي علاقة ليست خاصة بنبات بعينه وإنما آلاف النباتات ذات التلقيح الريحي تسبب الحساسية لمن لديهم الاستعداد الوراثي للتحسس)). وينبه معالي وزير الزراعة والمياه إلى حقيقة بالغة الأهمية والحسم حيث يؤكد أن اتخاذ الحساسية من حبوب الطلع سببًا للإتلاف سيمتد إلى الغطاء النباتي بامتداد جبال السروات من الطائف شمالا إلى نجران جنوبًا فهذا الغطاء النباتي هو من أشجار العرعر ولقاحها يسبب الحساسية، ومثل ذلك يقال عن مزارع أشجار الزيتون في منطقة الجوف وغيرها وكذلك القمح والشعير والثيل؛ فيقول معالي وزير الزراعة : ((إذا كانت إثارة الحساسية كافية للإتلاف فإن هذا يعني أن علينا أن نـزيل الغطاء النباتي من جبال السروات من الطائف شمالاً حتى أبـها جنوبا لأن لقاح أشجار العرعر يسبب الحساسية أيضا وكذلك إزالة بساتين الزيتون ومنع زراعة القمح والنخيل والثيل وهذا ما لا يمكن أن يقول به أحد)) إن خطاب معالي وزارة الزراعة مقنع بشكلٍ حاسم لمن يهمه أن يعرف الحقيقة. وهو متفق مع موقف مدينة الملك عبدالعزير للعلوم والتقنية وموقف مركز دراسات الصحراء بجامعة الملك سعود والمواقف العلمية المتضافرة. ويضيف معالي وزير الزراعة والمياه: ((توصل أحد البحوث الميدانية العلمية إلى أنه يوجد في المملكة من الفصيلة النيجيلية وحدها 277 نوعًا كلها تسبب الحساسية فما الذي يجعلنا نخص شجرة الغاف بالإتلاف رغم أهميتها البيئية والصحية والاقتصادية)) ويضيف معالي وزير الزراعة والمياه: ((نود تذكير معاليكم بقرار مجلس الوزراء رقم33 في 13/3/1414هـ القاضي: ((بتنمية الأوساط الطبيعة لامتصاص ثاني أكسيد الكربون وتنمية الغابات وزيادة الرقعة الخضراء)) والقاضي أيضا: (( بوضع خطة طويلة المدى ذات أهداف مرحلية لتنمية الغابات وزيادة الرقعة الخضراء في المملكة)) ويضيف معالي وزير الزراعة والمياه: ((والتـزاما بذلك وبالتعليمات السامية المتكررة القاضية بتوسيع الغطاء النباتي لمواجهة عوامل تلوث الهواء وإيجاد غطاء نباتي متكافئ مع ما طرأ على البيئة من ملوثات للتقليل من آثار الاختلال البيئي ومن واقع مسؤولية هذه الوزارة فإننا نؤكد لمعاليكم أننا لا نؤيد إتلاف أي شيء من الغطاء النباتي سواء كان الغاف أو غيره ونرى وقف تنفيذ قرار الإتلاف)) ــــ كما عارضتْ قرارَ الإتلاف جامعةُ الملك سعود بالرياض ممثلة بمركز دراسات الصحراء وكلية الزراعة بالرياض وكلية الزراعة بالقصيم فقد أصدر مركز دراسات الصحراء بجامعة الرياض تقريرًا على شكل كتيِّب صغير أو نشرة دافع فيها بحياد علمي عن شجرة البرسوبس وطالب بالتوسع في زراعتها وبيَّن مزاياها وأكد أنـها الشجرة الوحيدة التي تتحمل ظروف المناخ الصحراوي كما كتب رئيس المركز الدكتور عبد الملك آل الشيخ عدة مقالات لتأكيد أهمية التركيز في التشجير على البرسوبس من أجل توسيع رقعة الاخضرار بقدر الإمكان. وجاء في خطاب عميد كلية الزراعة بالقصيم رقم2408 بأن: ((الإشاعة عن البرسوبس تتنافى مع المبدأ العلمي التجريبي إن الكلية تنظر بإعجاب إلى المجهودات التي بُذلت في هذه المنطقة لتغيير وجه الصحراء القاحلة إلى الاخضرار لأننا ندرك أن هذا لم يكن ليتم لو لم يكن هناك إصرارٌ كبير من القائمين على هذا التغيير بالرغم من العقبات)) أما كلية الزراعة بالرياض فقد أعدت تقريرًا جاء فيه: (( تُعتبر أشجار البرسوبس من أهم الأشجار الملائمة زراعتها تحت الظروف البيئية المحلية للمملكة وذلك من حيث مقاومتها وتحمُّلها للعوامل البيئية القاسية مثل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وشدة الجفاف والملوحة بالإضافة إلى نجاح زراعتها ونموها في التُّرَب الرملية الخفيفة أو الصخرية قليلة الخصوبة وقلة احتياجاتـها المائية وهذا أدى إلى زيادة الاهتمام بزراعتها في مختلف مناطق المملكة)) وأوضحت كلية الزراعة بجامعة الملك سعود في تقريرها بأن ظاهرة الحساسية من لقاح النباتات هي ظاهرة عالمية وأن المجتمعات الأخرى تتعايش مع هذه الظاهرة النباتية ولا يوجد أي مجتمع يقوم بإتلاف الأشجار لمجرد أنـها وقت التـزهير تسبب حساسية لمن لديهم الاستعداد الوراثي ونَصَّت اللجنةُ: (( تتفق اللجنة مع رأي المختصين بالحساسية من أنه لو تم إزالة جميع الأشجار فلن يغيِّر من أمر حالات الحساسية للأشخاص المعرضين لها)) ثم نَبَّهَتْ اللجنةُ إلى أن: (( العديد من النباتات الأخرى تعطي كميات كبيرة من حبوب اللقاح أثناء فترة إزهارها علاوة على مسببات الحساسة الأخرى غير النباتية في البيئة)) كما نَبَّهَتْ اللجنةُ إلى أنه: (( من المعروف أن الحساسية مرضٌ يصاب به بعض الأشخاص المعرضين وراثيا للإصابة به وللحساسية مسببات عديدة فقد تكون مصدرها بعض أنواع الأطعمة أو الأدوية أو التلوث البيئي أما الحساسية من حبوب لقاح النباتات فهي ظاهرة نباتية عامة وليست خاصة بشجرة البرسوبس)) وأوضحت اللجنة أن ظاهرة التحسس من لقاح النباتات و قت الإزهار هي ظاهرة عالمية قد واجهت مدنُ العالم هذه الظاهرة وتعايشت معها كشيء طبيعي ولم تمنع الإكثار منها في شوارع المدن وفي الحدائق العامة لأن نباتات كثيرة ينتشر لقاحها وقت التـزهير إن الأصل في حبوب لقاح النباتات أنـها لا تسبب الحساسية إلا أن بعض الأشخاص في كل الأمم تحمل أجسامهم مشكلة في جهاز المناعة ولكون المشكلة في الأشخاص وليس في الأشجار فإنه يتم تعريف الحساسية بأنـها: ((استجابة غير طبيعة لمؤثر طبيعي)) فالإشكال ليس في حبوب لقاح النباتات بل في الاستجابة المناعية الغير طبيعية عند فئة قليلة من الناس في كل العالم. ـــ كما عارض القرارَ مستشفى الملك فيصل التخصصي ممثلاً بالدكتور حرب الهرفي الذي أكَّد: ((أن إلقاء اللوم على شجرة البرسوبس أنـها سبب ازدياد الحساسية هو خطأ فادح وأن بحث هذا الموضوع غير وارد )) كما أكَّد: ((أن الحساسية تكثر في المدن بسبب التلوث البيئي وعوامل كثيرة أخرى كما أن ظاهرة ازدياد الحساسية هي ظاهرة عالمية فمسببات الحساسية عديدة جدًا)) الأمر السامي الحاسم ــــ وحين علم المقام السامي بقرار الاتلاف الغريب المدمِّر أبرق لوزير البلديات برقم1593 في14/4/1421هـ بوقف قرار الإتلاف فتراجعت الوزارة بخطابها رقم22841 في24/4/1422هـ الموجه للمقام السامي ونفت وزارة البلديات أن تكون قد أصدرت قرارًا بذلك مؤكدةً ما نصه: ((الوزارة لا تقوم بإتلاف هذه الأشجار)) وبذلك تبرأت الوزار من القرار الذي أصدرته. ــــ وبموجب الأمر السامي الكريم رقم1593 في14/4/1421هـ تم تشكيل لجنة من جامعة الملك سعود ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ومستشفى الملك فيصل التخصصي وكانت اجتماعات اللجنة تتم بمقر وزارة البلديات ورغم الضغوط الشديدة التي مارستها وزارة البلديات على اللجنة للحصول منها على أي تبرير للقرار أو أي مظهر لوجاهة القرار لكي لا تقع في ورطة مسؤولية إتلاف أروع إنجاز تحقَّق في تشجير مدننا الصحراوية رغم كل ذلك فإن كل الجهات أكدت تخطئة قرار الإتلاف فصدر الأمر السامي الكريم رقم5076 في 3/4/1422 العاجل والهام بإلغاء قرار وزارة البلديات وتأكيد أنه قرار خاطئ. وقد جاء بالأمر السامي الكريم ما نصه: (( لقد أثبتت الدراسات التي أُجريتْ مؤخرًا بأن فكرة إتلاف أشجار البرسوبس هي فكرة خاطئة)) وجاء في الأمر السامي الكريم ما نصه: (( إن قرار إتلاف أشجار البرسوبس ليس له ما يبرره من سند علمي ومعلومات موثقة)) وفيه أيضا: (( هذه الشجرة ليست الشجرة الوحيدة المسببة للحساسية حيث أن معظم النباتات المزهرة تُنتج حبوب اللقاح ووقت تطايرها تسبب الحساسية لفئة من الناس لديهم الاستعداد الوراثي لذلك)) كما نص الأمر السامي الكريم أنه: (( ثبت أن هذه الشجرة متعددة الفوائد وتساهم في حل مشاكل نقص الغذاء والعلف والوقود في المناطق الجافة بالإضافة إلى قيمتها البيئية و الجمالية)) ويؤكد الأمر السامي الكريم ما نصه: ((لا نعلم أن هناك توجهات مستقبلية في أي دولة في العالم لإزالتها أو الحد من زراعة هذه الأشجار بل العكس هناك المزيد من الاهتمام بزراعتها وإدارة غاباتـها إدارة مستديمة)) وأكد الأمر السامي الكريم بأن هذه الشجرة: ((تساهم بفاعلية عالية في تثبيت الكثبان الرملية وتحويلها إلى مواقع زراعية تتمتع بمردود اقتصادي جيد وقد استعمل بنجاح في مشروع تثبيت الكثبان الرملية بمنطقة الأحساء)) وأكد الأمر السامي الكريم ما نصه: ((هذه الشجرة تعتبر من أنجح الأشجار التي تزين المدن الخليجية لتحمُّلها الجفاف والتغيرات في درجة الحرارة ومقاومتها لمعدلات الملوحة العالية في التربة)) ونبَّه الأمر السامي الكريم بأن تشجير ا لمدن استغرق أكثر من ثلاثين عامًا ووصف الإنجاز المتحقق بأنه عمل كبير وأكد على الوزارة بأن تلغي قرارها ونص على: ((عدم إزالتها قطعيا لئلا تعود شوارع مدننا قاحلة مرة أخرى فلا يجوز التعرض لهذه الشجرة بأي صورة من صور الإتلاف)) وبناء على الأمر السامي الكريم تبلغت الأمانات والبلديات وكل الجهات ذات العلاقة تعميم وزير الشؤون البلدية والقروية رقم 30884 في 10/6/1422 هـ بما نصه: ((عدم إزالة نبات البرسوبس قطعيا فلا يجوز التعرض لهذه الشجرة بأي صورة من صور الإتلاف)) انتكاسة الوعي البيئي لكن القرار الذي وصَفَه الدكتور عبدالله القفاري بأنه فضيحة؛ قد أحدث انتكاسةً فظيعةً في الوعي بأهمية الشجرة كعنصر حيوي في المدن فصارت الأشجار مخيفة بدلاً من أن تبقى ظلاًّ وبهجةً وقد لاحظ ذلك صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم فأرسل تعميمًا برقم 166 في21/2/1417هـ بما نصه: ((علمنا بأن أحد الأشخاص قد تعدى بقطع عدد من أشجار الشارع في إحدى مدن المنطقة وبأن شخصًا آخر قد فعل مثل ذلك في مدينة أخرى وهذا تجاوز على المال العالم وانتهاك لحق السلطة الإدارية وناتج عن الجهل بالأهمية الصحية والجمالية للأشجار ويمثل بادرة سلوكية سيئة ومرفوضة فعليكم الإفادة عن أي تصرف من هذا النوع لمعاقبة من يحصل منه مثل ذلك: حفظًا لجمال المدن ومنعًا للعبث وحماية للأملاك العامة وتحقيقا للانضباط)) كما أن جميع الأجهزة الحكومية قد تلقت تعميم صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم رقم 95 في 29/1/1417هـ بما نصه: ((لاحظتُ أن إحدى الإدارات الحكومية اجتثَّتْ الأشجارَ الظليلة والجميلة المجاورة لسورها في الشارع وهذا تصرف لا نقره ولا نقبل أن يتكرر لا منها ولا من غيرها. نود الاهتمام بالتشجير فجمال المبنى ليس بتعريته وإنما جماله أن يكتسي بالاخضرار فأكدوا على المختصين بذلك)) وقبل ذلك أصدر صاحب السمو الملكي أمير منطقة القصيم التعميم رقم 96 في 29/1/1417هـ الموجه لبلديات المنطقة بما نصه: ((تكرر الثناء على تشجير مدن القصيم من قبل الزائرين للمنطقة وأبدوا إعجابـهم الشديد بكثافة الاخضرار ونصاعته. رغبت إبلاغكم باهتمامي الشديد بالتشجير وبأية أعمال تؤدي إلى تحسين البيئة وتجميل المدن كما رغبت أن أشكركم على الجهود المثمرة وأن أنقل لكم انطباعات كبار الزوار للمنطقة لتزدادوا عناية وتضاعفوا الجهد)) قد يتساءل البعض: إذا كانت الحقائق بكل هذا الوضوح، وإذا كان الأمر السامي بهذا الحسم الصريح القاطع؛ فكيف بقيت المشكلة تتفاعل وتتفاقم إلى هذا الحد ؟؟!! إن العلم قد أجاب على هذه الظاهرة البشرية؛ فعقول الناس تحتلها المعلومة الأسبق إليها سواء كانت المعلومة صحيحة أم كانت خاطئة وحتى النظريات العلمية لا يتم قبولها إلا بعد أن يموت الجيل الذي تربى على غيرها؛ فينشأ جيلٌ يتربى على النظرية الجديدة؛ وقد برهن على ذلك توماس كون في كتابه (بنية الثورات العلمية) كما صرح بذلك فلاسفة وعلماء آخرون فهذه الظاهرة البشرية باتت معروفة في تاريخ العلوم وفلسفة العلوم؛ كما أن علم المعرفة المبني على دراسات الدماغ البشري؛ قد أكد أن عقول البشر تنتبه انتباهًا شديدًا للمعلومات التي تحذِّر من الخطر أو الضرر، لكن عقول البشر لا تنتبه كثيرًا للأخبار التي ـُطَمْئِن، فالدماغ البشري، يركز على حفظ الحياة واستمرار البقاء، لكنه لا يعطي أهمية لما يبعث السرور إلا في جوانب ذات علاقة مباشرة بالبقاء مثل الجنس الذي يضمن التكاثر والتوالد والاستمرار؛ لذلك فالغالب على الناس أنهم يكثرون من النقد للجهات التي تَخدمهم ومن النادر أن يهتموا بالثناء على هذه الجهات أو أن يُبرزوا إيجابياتها؛ فالإنسان بطبعه كائنٌ متذمِّر وبسبب هذه الطبيعة مَثَّل قرار الإتلاف صدمة قوية وعاها الجميع، أما كشف الحقيقة المزيلة للالتباس فمر من دون أن ينال ضجة أو تغطية كافية؛ وبسبب ذلك استمر تعطيل تنفيذ الأمر السامي الكريم واستمر الالتزام بقرار الاتلاف رغم صرامة الأمر السامي ورغم أن الأمر السامي مبني على دراسات علمية. وحين تم تقويض دعاوى الحساسية اختلقوا دعوى غريبة وعجيبة وهي أنها شجرةٌ غازيةٌ؛ وهذه فضيحة حضارية أخرى لأنها تدل على جهل ببديهية يعرفها كل المهتمين وهي أن نقل النباتات من بيئة إلى أخرى هي ظاهرة عالمية معروفة في كل العالم؛ فلابد من حماية الوطن من نشر مثل هذه الأفكار التي تتنافى كليا مع المنطق والواقع وتضع الوطن أمام إحراج عالمي؛ إن إخافة الناس بأفكار مغلوطة؛ هي أشد فتكًا بالمجتمعات من الأوبئة؛ فالقول بأن البرسوبس شجرة غازية؛ فأولا التعبير نفسه يمثل فضيحة حضارية؛ فالعالم كله يعرف أنه تم نقل مئات الأشجار والنباتات من قارة إلى أخرى؛ وعلى سبيل المثال فإن النخيل في المملكة مجلوب من العراق، والبن كان وطنه الأصلي في الحبشة؛ ومن الحبشة نُقِل إلى اليمن، ثم نُقِل إلى أمريكا الجنوبية؛ فالبرازيل حاليا هي المنتج الأول للبن، مع أن البن قد نُقِل إليها من قارة أخرى، إن أوروبا لم تكن تعرف البطاطس لكن أثناء الطفرة الاستعمارية نَقَل الأوروبيون نبات البطاطس فلم يعد فقط أحد منتجاتهم الرئيسية وإنما صار النبات الأكثر إسهامًا في وفرة الغذاء، وصار البطاطس هو الغذاء الرئيسي لأوروبا. إن شجرة المطَّاط (هيفيا) لم تكن موجودة إلا في أمريكا الجنوبية، فقام البريطانيون بنقل هذه الشجرة إلى سيلان؛ ثم انتشرت في إندونيسيا وماليزيا فتحولت أشجار المطاط إلى غابات في جنوب شرق آسيا فأصبحت المنتج الأول للمطاط؛ ثم مع الزمن تمت معرفة تكوينه الكيميائي فصار يُصنع من مشتقات البترول وغيره، وعندنا في نجد؛ النخل والزيتون والبرسيم والقرع والطماطم ومنتجات أخرى كثيرة كلها مجلوبة من مصر والشام، والعراق واليمن وكل المزروعات المنتجة في بيئتنا الصحراوية مجلوبة من خارج البيئة؛ وعبارة (شجرة غازية) هي عبارة أقل ما يقال فيها هي أنها (فضيحة حضارية) فلا يصح أن يتم تقييد حركة الوطن بمثل هذا المفاهيم المغلوطة التي تتنافى مع أبسط مفاهيم الحياة. وإذا كان انتشار البرسوبس يضايق المزارعين في جيزان فهذا وضع استثنائي خاص بسبب أن جيزان ذات مناخ مشبع بالرطوبة وحتى في جيزان يُعتبَر أن المزارع الذي يترك الأعشاب والأشجار تكبر وتنمو هو يتحمل إهمال مزرعته فالأصل أن المزارعين يقومون بانتظام بتنظيف مزارعهم من النباتات غير المنتجة وهذه عملية معروفة عند كل المزارعين في كل العالم حيث ينتشر الثيل ونباتات طفيلية أخرى كثيرة فيقوم المزارعون بتنظيف سنوي أو موسمي أو دوري من الأعشاب والنباتات والأشجار غير المرغوبة في المزارع. حين صدر قرار وزارة البلديات زُوِّدَتْ به كل الصحف فنُشِر في جميع الصحف وكأنه من الانجازات الكبرى !!! ففوجئ الناس في كل مدن ومناطق المملكة بهذا الخبر المفزع الذي أوهمهم بأن الأشجار التي تظلل شوارعهم وتُجَمِّل مدنهم وتحيط بأسوار بيوتهم تَنشُر فيهم المرض؛ فصارت الأشجار بشكل عام مُتَّهَمة ومُخيفة؛ فصدرت مطالبات بإتلاف أشجار الدفلة بدعوى أنها سامة وهذا مثال واحد على الإرباك الشديد الذي أحدثه القرار الخاطئ؛ فانفتح المجال للوعي الشعبي للتفنن في خلق الأوهام والمخاوف؛ ثم حين سقطتْ تهمةُ الحساسية؛ تَمَّ اختلاق تهمة جديدة بالادعاء بأنها شجرة غازية؛ وهو قول موغل في الاستخفاف بحقائق العلم والتاريخ والواقع؛ فهي من أشجار البيئة؛ بل إن البيئة نفسها تقدم الشواهد الناطقة بأنها من أشجار البيئة فهي تنبت تلقائيا في الصحراء القاحلة وتنمو ويمتد ظلها ويتكاثف اخضرارها في أعماق الصحراء من دون ري ولا عناية. إن ما يتم ترويجه عن الشجرة الغازية هو فعلا (فضيحة حضارية) لا يليق ترويجها ولا قبولها ولا السكوت عن هذا الترويج. وعلينا أن نتذكر أن الأمارات العربية المتحدة تعتمد في التشجير على أشجار الغاف (البرسوبس) ولخطورة ما جرى أكرر التذكير بأنه لم يسبق لأية جهة تنفيذية أن تجرَّأت بأن تصدر قرارًا يتجاوز مهامها التنفيذية؛ ولم يكن التجاوز في شأن بسيط؛ وإنما كان قرارًا مدمرًا تسبَّب في كل هذه الاضرار البيئة والنفسية والاجتماعية الفادحة؛ لقد كان قرارًا مدمِّرًا لمنجز وطني واسع وضخم وعظيم متجاوزًا الحدود التنفيذية الإدارية فهذا قرار وطني وليس قرارًا تنفيذيا ومن الغريب أن تجهل الوزارة هذه البديهية كما أنها قد جَهِلت أن آلاف النباتات والأشجار ينتشر لقاحها وقت التزهير وليس هذا خاصًّا بشجرة بعينها فالنجيل (الثيل) أغزر نشرًا لحبوب اللقاح وهو يكون في الحدائق التي يتجمَّع فيها الناس لكن هكذا هي الحياة فهي لا تقوم على الخير المحض وإنما يقوم التعامل وفق مبدأ الترجيح بين النفع والضرر فلو كان كل شيء فيه جانب ضار يتم تجنبه لكان واجبا على سبيل المثال تجنب استخدام السيارات فحوادث السيارات لا نهاية لها. ومن أسوأ ما نتج عن ذلك القرار أنه قد أفزع الناس وأخافهم مما كانوا يعتبرونه مصدر بهجة؛ فالقرار قد دمَّر الوعي البيئي ورغم أن المقام السامي قد ألغى قرار الوزارة فإن الأمر السامي لم يُفَعَّل فغمرت الناس منذ ذلك الحين شائعات غير عقلانية مدمرة إن المصلحة الوطنية تستوجب أن يتم اتخاذ قرار حاسم يكشف الحقائق ويزيل اللبس وينهي الشائعات ويحمي المنجزات الوطنية من أن تتعرض للتشويه الفظيع وحماية الوعي الاجتماعي من مثل هذه القرار الغريب. إن الموقف اللاعقلاني المدمر حول التشجير في هذه البيئة الصحراوية القاحلة والقاسية وحول أشجار الغاف خَلَقَه قرارٌ نصَّ الأمر السامي الكريم بأنه قرارٌ خاطئٌ فقد جاء بالأمر البرقي السامي الكريم مانصه: ((لقد أثبتت الدراسات التي أجريتْ حول هذا الموضوع بأن فكرة إتلاف أشجار البرسوبس هي فكرة خاطئة)) وجاء في خطاب معالي وزير الصحة رقم 1821 في 7 - 5 - 1422 أنه تم إلغاء قرار وزير البلديات. وقبل صدور الأمر السامي بادرت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية باعتراضها على القرار كما عارضته بخطاب رسمي جامعة الملك سعود كما عارضته بخطاب رسمي وزارة الزراعة كما عارضته بخطاب رسمي وزارة المواصلات كما انتقده وعارضه بشدة بعدة مقالات طبيب الحساسية الدكتور حرب الهرفي كما استنكر مذبحة تشجير المدن بأكثر من مقال الدكتور محمد القنيبط وكتب الدكتور عبدالله القفاري مقالا عن الموضوع بعنوان: فضيحة حضارية إنها فضيحة حضارية لأسباب كثيرة فكيف في عمق الصحراء يتم إتلاف عشرات الآلاف من الأشجار الظليلة في بيئة صحراوية هي بأمس الحاجة إلى أي غصن أخضر؛ ثم إنها فضيحة حضارية؛ لأن ظاهرة الحساسية من لقاح مئات الأشجار وقت التزهير لأفراد عندهم مشاكل في جهاز المناعة هي ظاهرة عالمية وليست محلية وكل الأمم تتعايش مع هذه الظاهرة الطبيعية العامة فتطايُر لقاح النباتات هو من الظواهر الطبيعية لكل النباتات وقت التزهير وهي من البديهيات في العالم ولولا هذا التطاير لما انتشرت بذور النباتات فهذا قانون طبيعي كوني. إن تحسس بعض الأفراد من لقاح النباتات ومن الغبار ومن مختلف المثيرات هو ظاهرة عالمية معروفة فتُعَرَّف الحساسية علميا بأنها: ((رد فعل غير طبيعي لمؤثر طبيعي)) إن مئات النباتات والأشجار هي ذات لقاح متطاير وقت التزهير ولولا ذلك لما عادت الارض الهامدة إلى الاخضرار بعد نزول الأمطار.كما أننا نعيش في بيئة صحراوية غبراء ومعلومٌ أن غبار الصحراء يثير الحساسية علما أن كل ذلك ليس سببًا مباشرا بمعنى أن مصدر الحساسية ليس المؤثر وهو اللقاح وإنما الإشكال من الاستجابة غير الطبيعية لمؤثر طبيعي عند بعض الأفراد الذين يعانون من مشكلة في المناعة. لذلك فإنه حين عَلِم المقام السامي بقرار الإتلاف أبرق برقم 1953 في 14 - 4 - 1421 لوزير البلديات بوقف القرار وطلب من الجهات العلمية دراسة الأمر: مدينة الملك عبدالعزيز وجامعة الملك سعود والمستشفى التخصصي ورغم أن وزارة البلديات بذلت جهودًا لدفع الجهات المسؤولة لتأييد قرارها إلا أن الجهات لم تخضع للضغط فأكدت مرة أخرى بأن القرار خاطئ وحين اطلع المقام السامي على إجابات الجهات العلمية أبرق برقية عاجلة برقم 5076 في 3 - 4 - 1422 لوزير البلديات بإلغاء قراره وفعلا تلقت الأمانات والبلديات قرار الوزير بالإلغاء بل إن الوزارة بخطابها الموجه للمقام السامي أخفت أنها أمرت بالإتلاف وادعت أنها طلبت تنويع ما يتم غرسه في شوارع المدن دون أن تتحمل المسؤولية وتحدد ما يجب اختياره وتركت الامر لاجتهاد الأمانات والبلديات وهذا يعني أن الإشكال سوف يتكرر مع أي نوع يتم اختياره ثم ماذا يقال عن الثيل في الحدائق ولقاحه من أشد النباتات غزارة ومن أشدها إثارة للحساسية. هكذا حُسِم الأمر علميا وقانونيا لكن الخبر السيء يفزع الناس فينتشر بسرعة أما الخبر المضاد فلا يلتفت له أحد: ((قد قيل ما قيل إنْ صِدْقًا وإن كذبًا. فما اعتذارك عن قول إذا قيلا)) لذلك فإن كل هذه الحقائق بقيت خفية ولم يسمع بها أحد وبقيت الشائعات تتنامى لقابلية الناس لنشر الأخبار المثيرة فقد أُلغي قرار الاتلاف بأمر حاسم من المقام السامي. والأمر السامي مبني على دراسات علمية من كل الجهات ذات العلاقة. إن تشجير مدن المملكة منجز وطني حكومي واسع وضخم وعظيم وقد استغرق هذا الانجاز سنوات طويلة واستهلك جهودًا حثيثة متواصلة وتم كل ذلك في زمن عدد من الوزراء السابقين خلال سنوات طويلة وكانت التعليمات الرسمية تواصل الحث الشديد على التشجير والعناية بتجميل المدن فليس من حق ذلك الوزير ولا من صلاحياته أن يتخذ قرارًا كهذا فهو مسؤول تنفيذي وليس حاكمًا. إن الوزارة مسؤولة عن أعمال تنفيذية؛ فقرارها بغض النظر عن كونه قرارًا خاطئًا. إلا أنه يوجد للقرار جانب آخر بالغ الأهمية وهو أن الوزارة اتخذت قرارًا بإتلاف منجز وطني؛ وهذا تجاوز غير مسبوق للمسؤولية التنفيذية؛ فالوزارة ليس من صلاحياتها أن تتخذ قرار إتلاف منجز حكومي وطني ضخم في مختلف مدن المملكة فمثل هذا القرار المدمر لا تملكه أية جهة تنفيذية فالمسؤول الأول في وزارة البلديات؛ ليس حاكما ولا مشرعًا وإنما الوزارة بكل المسؤولين فيها مهمتهم تنفيذية إدارية محضة؛ ومع أن المقام السامي قد ألغى القرار ببرقية خطية عاجلة جدا إلا أن المعضلة ما تزال قائمة لأن الأمر السامي لم يُنَفَّذ فبقيت الشائعات هي التي تتحكم بالموقف. إن القرار قد خطَّأه وألغاه المقام السامي إلا أن الشائعات بقيت مؤثرة حتى لدى بعض الجهات الرسمية ربما لأن الأمر السامي الكريم لم يُفَعَّل في وقته ونسيه الجميع ولم يعلم به المسؤولون الجدد؛ فخلق عدم تفعيله معضلةً بيئيةً كبرى والأفظع من ذلك أن النتائج المدمرة للقرار الخاطئ ما تزال تتفاعل وتُنتج المزيد من الأضرار البيئية فليس أسوأ من أن تتشبع عقول الناس بفكرة خاطئة ذات تأثيرات ضارة عامة. نحن نعيش في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله عمره؛ فرغم أن الوطن عاش ازدهارًا في كل عصوره إلا أن عهد سلمان تميز عن كل العصور؛ فالوطن يعيش كثافة تنموية عظيمة غير مسبوقة؛ وفقًا لخطة 20_ 30 التي وضعها ويتابع تنفيذها بشغف متوقد؛ القائد الاستثنائي الفذ محمد بن سلمان وهي خطة ذات دلالات عظيمة . من أجل التوعية بأهمية التشجير؛ ظلت المملكة تقيم أسبوعا سنويا للتشجير وواصلت الأمانات والبلديات جهودا حثيثة لتشجير المدن وعملت على نشر الاهتمام بالتشجير ولكن ذلك القرار الخاطئ أتلف تشجير المدن ودمَّر الوعي البيئي فبدلا من غرس حب التشجير تم غرس الخوف من الأشجار والاستهانة بها والتسرع بإتلافها فالخسارة لم تكن فقط خسارة مئات الآلاف من الأشجار الظليلة والجميلة في هذه البيئة الصحراوية القاسية التي هي بأمس الحاجة إلى أي غصن أخضر ومع ذلك فإن الخسارة الأفظع هي انتكاسة الوعي البيئي في المجتمع ونشر الخوف من الأشجار ومن كل اخضرار فمعروف بأن الثيل كثيف اللقاح ويتطاير لقاحه ويسبب الحساسية لمن لديهم قابلية التحسس من اللقاح والثيل يكون في الحدائق وهي ملتقى الناس فهل سيتم منع زراعة الثيل (النجيل) فلقاحه يثير الحساسية لمن عندهم قابلية وكذلك لقاح أشجار العرعر التي تغطي كل جبال السروات وكذلك النخيل والزيتون والشيح وآلاف النباتات لذلك فإن العالم سوف يَعتبِر أن الموقف غير العقلاني من لقاح الأشجار هو موقفٌ يتنافى مع البديهيات التي تعرفها كل المجتمعات التي تعيش وسط الاخضرار ولا يستغرب ذلك إلا من يجهل مثل هذه البديهيات. لن تتمكن المملكة من تحقيق تخضير الصحراء ويكون اخضرارًا مستدامًا ومن دون إنفاق على الري؛ إلا بالتركيز على أشجار الغاف؛ فالبرسوبس هو وحده الذي ينبت وينمو ويتكاثر من دون التزام بالري؛ فلا يمكن تخضير الصحراء إلا بواسطة الأنواع التي تتحمل قسوة المناخ الصحراوي بجفافه الشديد وحرارته اللاهبة؛ فنحن يجب أن نتعامل مع بيئتنا الصعبة بما يتناسب معها لئلا يتم إهدار الجهود وفوات الوقت وضياع الأموال. أسأل الله أن يحفظ لهذا الوطن ازدهاره وأن يطيل عمر الملك الملهم سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده القائد الاستثنائي الفذ محمد بن سلمان وأن يمنحهما الصحة وطول العمر وأن يديم الرخاء والأمان والاستقرار والازدهار على هذا الوطن المحظوظ بقادته. إنني متأكد بأن الحقائق سوف تنجلي وأن الشائعات سوف تنقشع .