«قربعة» الكترونية.

علينا أن نعترف أن القوى والتيارات المتأسلمة تمتلك قدرة هائلة في حشد وتوجيه الرأي العام، وخصوصاً عند معظم شعوب العالم العربي. هذه القدرة التي امتلكتها تلك القوى والتيارات لم تكن لولا الفراغ الهائل في المجال العام، والذي لم تستطع منظومات الإعلام العربية أن تملأه بسبب غياب الاستراتيجيات الواضحة، وانشغالها بالرقابة أكثر من حرصها على الإبداع والاضطلاع بالدور المسؤول في حماية تنمية هذه المجتمعات، وكذلك لم تتمكن النخب المثقفة من التأثير فيه أيضاً، لتفضيلها الانكفاء على ذاتها. عند هذه اللحظة تحديداً وجدت تلك التيارات المتطرفة المناخ مهيأً للبث والتوجيه اعتماداً على عنصري: تسهيل اللغة الموجهة، والاتكاء على العاطفة الدينية، ثم بعد ذلك لا يهم ما يتم صبه في الأدمغة من أفكار عشوائية ومزايدات ساهمت خلال عقود في إرهاق الوعي الجمعي لهذه الجماهير. مع بداية كل موسم ترفيهي في المملكة تنطلق الأصوات مندّدة ومستنكرة تحت شعارات الدين والفضيلة، العنوان العام الذي يسهل تسويقه عند الجماهير، ولكن الدوافع الكامنة وراء هذا الهجوم هو التشويش على المشروع السعودي الذي امتلك الجرأة مؤخراً، وفتح اقتصاده، وبدأ يقلل اعتماده على النفط. في هذه اللحظة أصبحت السعودية خطراً على كثيرين (أفراداً، وجماعات، وكيانات، ورؤوس أموال). الدوافع الحقيقية أبعد ما تكون عن الدين مع أوضح الأدلة وهي أن البلدان الأخرى التي تمتلئ بأشد أنواع التضاد مع الفضيلة والدين، ومنها تركيا طبعاً، لا تتعرض لـ 1% مما تتعرض له السعودية، فقط السعودية التي يُنظر لأتفه حدث يحصل فيها بعدسة مكبرة. عند قياس الأمر على أرض الواقع، سنجد أن كل ذلك الهجوم الممنهج ضد المملكة مجرد «قربعة» الكترونية في العالم الافتراضي، على الأرض ها هي الجاليات من مختلف البلدان تحضر وتنسجم مع الفعاليات الترفيهية بشكل تفاعلي جميل. في حديقة السويدي خلال الأيام الماضية شاهدنا حقيقة مشاعر هذه الشعوب الطيبة، من الفلبين إلى الهند إلى اليمن والسودان، اتضحت بشكل لا يقبل الشك حقيقة المشاعر التي يكنّها للمملكة كل من يعيش ويعمل فيها من غير مواطنيها. أما مواقع التواصل فمن يصدق ما يدور فيها، أو يأخذه بجدية، فهو مغيب تماماً عن الواقع.