«جاكس الدرعية»
أكتب هذا الأسبوع عن فعاليتين ثقافيتين نثرت عطرها في منطقتي الدرعية وجدة. ينتهي بعد غدٍ السبت مهرجان (جاكس للفنون) بمشاركة فنانين سعوديين وعالميين في قلب الدرعية التاريخية لتمثيل تجربة فريدة لمحاكاة الذائقة الفنية. يشتمل المهرجان على أبعاد معرفية جديدة تتضمن عدة محاور: الأنشطة الجاذبة لمتذوقي الفنون، وخلق منصة للتواصل الإبداعي بين الفنانين السعوديين والعالميين، وخطة لجعل الدرعية منارة إقليمية، ونشر فكرة التبادل الثقافي، ودعم المواهب المحلية في بيئة جمالية معاصرة. هذه فرصة لتعزيز مكانة الدرعية بوصفها مركزاً لمحبي الفنون المحلية المتنوعة. جمعت الفعالية الفن والموسيقى، وعدة جلسات حوارية، وعروضاً إيحائية. أضافت منطقة “رحلة داخل عصر النهضة” في أروقة الاحتفالات تجربة ثلاثية الأبعاد تعتمد على تحفيز حواس الزوار من خلال تقنيات حديثة تعكس الصور المجسمة والاكتشافات المدهشة لرواد عالميين غابوا وبقيت آثارهم. نتحدث هنا عن مايكل آنجلو وليوناردو دافنشي، كما يشارك الفنان الإيطالي المعاصر ميدارتك بأعمال إبداعية. يتكون حي جاكس من أكثر من 100 مستودع تم تجديدها بالكامل لتصبح منصة حرة متاحة للجميع، ولدعم الفنانين السعوديين بفضائه المغري الفسيح. الهدف هو تعميق معاني الشمولية في بيئة حضارية منفتحة يسهل الوصول إليها. الفعالية الثانية الحراك الثري في “بيت الشربتلي”؛ المقهى الذي احتضن الكُتّاب والمناسبات الأدبية وأمسيات النقاشات الفكرية. هنا في جدة ازدهرت منصات الحوار، وفضاءات الطرح التعبيري، والمهرجانات الموسيقية. يُعد بيت الشربتلي من أشهر وأقدم بيوت جدة التاريخية، ورغم توقف بعض الفعاليات بسبب تراجع الحماس وقلّة التمويل، إلا أننا نأمل أن لا تتعثر اللقاءات الإثرائية الجوّالة القادمة مثل “مساء الناجحين” وغيرها. دور الثقافة في ديرتنا لا تتوقف عند المكتبات العتيقة أو رفوف الكتب القديمة، بل تنتعش في المقاهي الشعبية والعامة لتوفير أرضية صلبة للترحيب بالحرف والصورة والكلمة. المهم أن تُوَلِد تلك المساحات لحظات تحارب التصحر الفكري، وتكتسب الانتشار والديمومة. ما أضاف رونقاً وجمالاً، اتخاذ مجموعة من الشباب المبدعين من الشرفة الخشبية في “بيت الشربتلي” موقعاً لهم لعزف أوكسترا سعودية خاصة لنثر ألحانهم من الأدوار الأربعة للبيت الجميل. هكذا تجلى البيت كفضاء حيوي لاحتضان الفكر واللحن، عوضاً عن أسلوب التصحر العقلي التقليدي الموروث الذي انتهت مدّة صلاحيّته منذ فترة طويلة. وزارة الثقافة مشكورة لتشجيعها هذه الأنشطة المفعمة بالجمال، عبر مبادرة “الشريك الأدبي” أو غيرها مع كلّ ما يُضيفه مقدمو البرامج من تجارب ثرية. نأمل أن لا تتوقف هذه الفعاليات هنا، بل أن تستمر كمنظومةً احتفالية دائمة لإنعاش المشاريع الحضارية الجديدة. آخر الكلام: (جاكس للفنون) و(بيت الشربتلي) والفعاليات الأخرى ليست تبعيّة الأُفق أو التوجه، بل جاءت استنهاضيّةَ الأصل والطابع والهوية. إنها الأصالة، وليست التحديث، وآمل أن تستمر هذه الاحتفالات بالصالونات الثقافية وبيوت الموسيقى كعنصر فاعل ومؤثر في الحركة الفكرية السعودية، وصقلها بالحوار العميق والتجارب الثرية. *كاتب سعودي