عروس الطين!

حين أقرأ تجربة فهد عافت في الشعر العامي الحديث، وأوغل فيها، لاسيما حين تنفتح لي قصائده الحديثة مثل قصيدة الأبواب أرى في ملامح هذه التجربة الشعرية الفريدة ما يورق ويغرق بالشعر؛ لكن أبرز ما يتأكد لديّ تعانقه وتعالقه مع تجربة محمد الثبيتي في قصائده الحديثة لاسيما قصيدته الفارقة موقف الرمال/موقف الجناس. فمن قرأ موقف الرمال والأبواب سيجد أن القيمة المهيمنة على النصين معا هو الجناس، ولكنه جناس صانع للإبداع؛ استطاع الثبيتي أن يجعله محاذيا وموازيا للصحراء والنخل، وأن يكتشف فيه وبه إيقاع الصحراء. وهكذا فعل عافت في قصيدة الأبواب، حين طرق به دروبا جديدة في القصيدة العامية الحديثة، ولست أدري أيهما الأسبق من الآخر إلى نصّه، لكن الذي تكشفه لي القراءة هو أنهما صنوان في الإبداع والتفرّد. وفي نظري أن هاتين القصيدتين صنوان أيضا، إذ تكشفان عن مسار الحداثة الشعرية في فضاء الشكل الشعري وفي الرؤية التي صنعت مذاقا جديدا للجناس البلاغي فنقلته من أفق الإيقاع القديم إلى أفق الإيقاع الحديث، ذلك الإيقاع الذي ينشقّ عن رؤية، لا عن دلالة وحسب، رؤية تقول إن الشعرية كامنة في اللغة، وإن ثمة تعانقا بين اللغة النافرة والواقعة الشعرية التي تربط بين مسارين هما ما أشار إليهما الثبيتي بقوله: أنت والنخل صنوان، وراح يسرد عددا من الثنائيات المتجانسة بين كتاب الرمل وواقعة الجناس. وفي نص الأبواب لفهد عافت نقرأ هذا التكنيك الشعري في انشطار لغوي مطرد يفتح للنص أبواب الشعر وينتقل به من حالة إلى حالة حتى ينتهي عند قوله: تعوّدنا نزف الطين/ عروس وصدرها حاني/ وندخل فالكلام اثنين/ وننسى أيّنا الثاني! وكأن خاتمة قصيدة الأبواب مفتتح لعلاقة خفيّة بين شاعرين صنعا إبداعا مختلفا في مرحلة زمنية واحدة وأنتجا معًا قصيدة واحدة هي عروس الطين، أو فاتحة الرمل.