الشاعر .

 كثيرة هي الأمانيات التي تمر بنا ، ونرغب بامتلاكها ولو على سبيل اللحظة الخاطفة. لعل منها  -أمنية- أن يكون أحدنا شاعرا ؛ ليستطيع التعبير عن  موقف عابر مر به ، أو يصف بحرفه مشهدا بديعا انثال في خياله ، أو ليمتدح به شخصا عزيزا ترك في حياته جملة من الذكريات الجميلة والمواقف النبيلة ونحو ذلك مما لا يستطيع -امتلاكه وإدراكه إلا الشاعر المجبول صاحب الحس المرهف والمخزون الواسع ، والتجربة الثرية . لذلك تجدنا حينما - تُغنَّى - على مسامعنا القصيدة المحترفَة وباختلاف أغراضها نتمثَّل ونتقمص دور الشاعر في كتابتها ومعايشتها وترديدها وكأننا نحن شعراؤها ؛ لما تحمله من صدق المعنى ، وعذوبة التناول ، وعفوية الطرح. وهذا إن دل -يدل على تأثير الشاعر ، وحسن اختياره ، وحجم موهبته . الشاعر العبقري هو الذي يكتب ما يلامس الناس  في أبسط صورة ، من غير تعقيد ولا تقليد. وبأسلوبه وسلاسته يطوِّع ما استُصعب ويستنطق ما جمد ، ويحرك ما سكن . الشاعر المتمكن من استطاع أن يجعل قصيدته رواية مشوقة ما ينتهي المتلقي من قراءة أوسماع  بيت منها إلاَّ ويتلهف للذي يليه؛ذلك لما تتضَمنه من وحدة الموضوع،وقوة التركيب،وترابط الفكرة وتماسك البناء ، وقبل ذلك جمال الأسلوب ، وعنصر التشويق. الشاعر الشاعر هو ذلك الحر الذي لم يستسلم يوما لعبودية المجاملات ، ولم يقع في رق المداهنة على حساب الشعر ؛ لأن الحروف والكلمة بالنسبة له و قبل أن تكون أمانة هي قبْلَته وقبيلته،وهَويته وهوايته التي يعرف و يتعرف من خلالها على الكم الهائل من الإبداع داخله ، ثم إنه حينما يصوغ حروفها يجد  - قيمته وقمَّته- التي يتربع فوقها محفوفا بإعجاب أهل الشعر وهواة الكلمة. الشاعر الحذق لا ينتهي به المطاف هائما في أودية العصبية المنتنة ، بل هو - مَنْ بإمكانه أن يصنع بحرفه واحترافيته من الوحل جدولا ، ومن الجدب خصوبة تأسر وتسر الناظرين.