العملاق.

تواصوا به عشرين عاما وأكثرا فما انزاح عن مضمونه أو تنكّرا ومدوا شِراكا في مدى عنفوانه فكانت شراكُ الغدر أوهى وأقصرا وما جرحوا من ذاته غير ظِلِّه ولا فضحوا من قوله غير مفترى وما استنبتوا في حقله عاد حنظلا عليهم ولو ظنوه لوزا وسكرا أجنّ عليه الليل وهو ابن خمسة فوافى إلى خمسينه حين أسحرا له في احمرار الشمس جذوةُ ماردٍ ذراعاه في الشعرى وكعباه في الثرى ومن زرقة البحر انتقى لونَ تاجه وخاط خيوطَ الفجر شالاً ومئزرا ويشحذ في يمناه مضربَ سيفه وقد يستحيل الكفُّ درعاً وخنجرا لغايته القصوى امتطى كلَّ ممكنٍ رِكاباً ، وغيرُ الممكن امتدَّ معبرا وما خاف يوماً شاهقَ الطود مُصعِدا ولا هاب حيناً هائجَ الموج مبحرا كخيل جموح يرتضي الركض سائبا طليقا ،ويأباه مجالا مؤطَّرا تعوّد ألا يُرتجى غيرَ مُقبِلٍ ولا يحسم الغارات إلا مظفّرا على كل درب آمن فاح نسمةً وفي كل فجٍّ شائكٍ هبّ صرصرا خُطاه تشقّ الأرض شرقاً ومغرباً أماماً أماماً ليس يرجع قهقرى ومن دمه صاغ الحروف مقدَّما لكي يسمع الدنيا الخطاب المؤخرا له نفسُ حُرٍّ بالمعالي تزمّلت وقلب شفيف بالمآسي تدثّرا وبالرغم عن هذا وذاك تآلفت عليه قلوبُ الناس واستوثقت عُرى لدى كل بيت كسرةٌ من رغيفه وجدولُ ماء من ينابيعه جرى وحفنةُ ضوء من شظايا بروقه تضيء تضاريساً وتوجز أعصُرا وقبضةُ رملٍ من بقايا مسيره لينسف عجلاً فاقعَ اللون أصفرا سرى حُبُّه في كل عرقٍ ونبضةٍ وأوغل في أرواحهم وتجذّرا ولو قدروا ما مسّ الاسفلتُ رجلَه ورصُّوا حناياهم رخاماً ومرمرا تتوق إلى لقياه شوقاً حواضرٌ وتهوي إلى ميعاده لهفةً قرى ومن خلفه انقادت أماني رعية تلوّح للآتي وترفع أخضرا فَرُوحٌ تروّت من وصاياه صفّقت وطرفٌ تملّى في أماليه كبّرا أناخ ربيعا حائليا مبلّلاً وأمرع نجديا وسيّل تعشرا يوزّع برْحيّاً ويغدق زمزماً وينثر وردا طائفيا وعنبرا يقال : سخينً العين من غير دمعة ودمع النشامى يُتّقى لو تحدّرا ويكظم غيظاً لو يشاء أتمّه ويا لُطْفُ من غيْظ الحليم إذا اعترى!! وما بات مرتاباً ولا متردداً ولا مستلِّذاً ليلَه لذّةَ َالكرى وما عاش مغموراً ولا كان واحداً ولكنه الأجيالُ والشعبُ والورى