نقطتان !!

عاصفة الصقيع التي تجتاحني وتخلخل ما تبقى فيّ من ثبات مفاصلِ فكرٍ راكمتها الايام .. نصّي المجهول الهوية .. مطروحًا تحت المجهر على شاشة العرض الآن .. و لا اسم للمؤلفِ يظهر عليه .. بينما كانت قاعة “الكتابة الإبداعية” غارقةً في هدوءٍ يكسره أحيانًا صوت قلب صفحةٍ أو نقر قلم. التف الحضور على موائد دائرية وكنت هناك في الركن وعبق رائحة القهوة والشاي تملأ المكان وقليل من ضوعٍ يفوح من هنا وهناك .. ما هذا الهراء؟ .. همسات متناثرة هنا وهناك .. كيف تكون كتابات الإبداع هكذا مبعثرة ومفككة ؟ ِلمَ كل هذه النقاط ؟ و ربما كنت الوحيد الذي يعرف أن هذا الذي أمامنا هو نصي .. هناك .. وجهها يطل من نافذة الخيال يَدُها على خدها تنظر كأنها تنتظر .. وانا الذي ينتظرها .. سهاما أصابت بالجمال كل شئ .. سقى الله لما يتلألأ على شفتيها وسنا في عينيها وحنينا في ابتسامتها أيقظت غيرةً لا تهدأ فيّ .. قالت ما هذا النمط الغريب في الكتابة ؟ وكأنه يتعمّد .. البتر! يستخدم نقطتين (..) بشكل مبالغ فيه، حتى عندما لا تكون هناك حاجة للاقتباس أو الحذف .. أليس هذا خطأً نحويًا أو علامة على فكرةٍ لم تكتمل؟ .. تعالت الأصوات، و تكاثفت سحب الرفض حول النص .. تطالب بإقصائه عن النشر .. في هذه اللحظة .. التي تتجمد فيها الفكرة .. وهي كل ما أخشاه .. رفعت يدي وتحدثت بصوت هادئ .. بدا لي ياسادتي .. ربما كان المؤلف .. يتوقف ليس بترا للكلام .. يكتب نقطتين .. نقطة له ونقطة لها كي يلتقيان عند كل جملة .. يغوصان في ترنيمتها و تفاصيلها .. ألسنا في كل مرة .. ننخرط في حوار مستمر مع النص ؟ ام نريد اعلان الحقيقة النهائية ؟ مالت برأسها قليلا تنصت .. اهتمام كنت أرقبه بشغف .. النقطتان هنا يا سادتي هما دعوة لارتشاف الفكرة .. قطرة فقطرة .. قصة وقصة .. خيال وخيال .. تخيلوا أن لكل جملةٍ قصة، تبدأ عند أو بعد كل نقطتين .. كم من القصصِ يكون لدينا ؟ أشرت الى الشاشة .. نقطةٌ لي ونقطةٌ لكِ .. هي .. أجمل .. هي .. أحلى .. لا عليكِ بما يقولون أن نقطةً واحدةً تكفي .. هل تريدين حقاً التوقفَ عند النقطة الواحدة... الأخيرة... عند آخر الحكاية ؟ صمت مريب .. و الوجوه تنظر .. ثم ماذا بعد النقطة الواحدة يا سادتي ؟ صمتٌ؟ .. بردٌ؟ .. و صقيع؟ .. إن النقطة الواحدة هي نهاية حاسمة، توقف مفاجئ للزمن .. نقطتان تعني دفئاً .. تعني أملاً .. تعني أن تبدأ الحكاية من جديد .. تعني أن هناك للقصة بقية .. النقطتان هما مساحة التنفس قبل الانطلاق الجديد .. أم تريدون التوقف هنا؟...!!” ألا يبدو من الحكمة أن نجعل من علامة الترقيم مدخلاً للنظر في وجودنا .. النقطتان .. إعلانٌ أدبي عن بقاء الحوار مفتوحًا، وأن الفكر لا يقبل نهاية تامة .. نظرت إليّ مباشرة .. ارتسمت على شفتيها بسمة هادئة، تردد تلك الجملة التي كتبتها لها .. نقطة لي ونقطة لك كي نلتقي ..