180 دقيقة في مقهى.
تغريني أشياء كثيرة في المقاهي القليلة التي ارتادها، مشاهد اللطافة بين الجالسين، وأب يلهو مع طفلته بألوانها ودميتها، ومن تروي بارتباك لصديقتها تفاصيل صدفةٍ جمعتها بخاطبها، وشاب سعودي أنيق يقدم لك القهوة بطعم مختلف ويمد لك المبخرة، فلا تملك إلا أن تشكره وتدعو له وتتمنى له الحظ الجميل. أعود معها للوراء قليلاً قبل سنتين من الآن كيف كانت مذكراتي والكتب على سريري، ترافقني حتى في سفري، تفكيري كيف أنهي أطروحة الدكتوراه بتفوق لتكون عملاً ذا قيمة وفائدة لبلادي. واليوم، بات من الطبيعي في مدينة كبرى مثل الرياض أن ترى الشبان والفتيات بسماعات الرأس وأجهزة اللاب توب كلٌ في مجاله وميدانه يُبحر، ما بين مفكر ومتأمل. وآخرون في ركن قصي يقرأون كتبهم بصمت، رأيت مبتكرين يناقشون احتمالات أخرى لاختراعاتهم، ورواد أعمال يناقشون مشروعاتهم، رأيت باحثين ينتقون أجمل النصوص لترجمتها. رأيتهم مشرقين، متفائلين، حالمين، مهما اتسعت أمامهم دروب العتمة، وطُوحت أحلامهم خلف المدى البعيد إلا أن إصرارهم يدفعهم ليكونوا النسخة التي يحبونها ويتطلعون لتحقيقها. لفت انتباهي ثلاث فتيات مع هالة إنجاز تحيط بهن، كن يحتفلن بإنهاء عمل مشترك، مع قالب جاتوه صغير وشمعة ذهبية، ترافقها ضحكات لطيفة وتصفيق خفيف، كنت أنظر من بعيد وأهمس في نفسي يا للروعة، لكن إيمان المشاغبة بداخلي أبت إلا أن تشاركهن اللحظة باركت لهن الإنجاز واستأذنت بتصوير تفاصيل الفرحة. أسيل البلوي طالبة قانون مهتمة بالشأن الدبلوماسي والعلاقات الدولية والقضايا الإنسانية، عرفت لي نفسها (صدى للأصوات التي لم تُسمع بَعد) المُعنفين وذوي الاحتياجات الخاصة، باختصار هي فتاة سعودية طموحة وحالمة أتمنى أن تحقق حلمها وتتجاوزه لأنها تملك الكثير وتستحق ما هو أكبر، ثقتها بنفسها، نبرة صوتها، اهتماماتها الإنسانية، تقديرها للطموحين سينقلانها لمدى أبعد. ممتنة لك يا الله وكل البسطاء ممن التقي بهم ونتجاذب أطراف الحديث، ممتنة للصدفة التي وضعتني في طريق كل شخص لطيف تبادلنا فيها معلومة وتجربة أو حتى ابتسامة، ممتنة لكل لحظة حركت فيني الشيء الكثير وإن كانت من على مقعدٍ ومنضدة في مقهى.