أي قارئ أنت؟
كتب الأستاذ رائد البغلي في كتابه “هندام درويش” مقالًا بعنوان “أي قارئ أنت؟”، يتحدث فيه عن علاقة القراء بالكتب، مقارنًا بين المكتبات الواقعية والمكتبات الإلكترونية، مع عرض نمطين من القراء: الأول “القارئ القارئ”، والثاني “القارئ الكاتب”. “أي قارئ أنت؟” سؤال يبدو بسيطًا، لكن جوابه قد يكون أكثر تعقيدًا. في كل مرة أحمل فيها كتابًا من رف المكتبة أو من الإنترنت، أتخيل أنني سأغرق في عالم الأدب الرفيع. أتأمل في هذا السؤال الخالي من التعقيد: أي قارئ أنت؟ هل أنا قارئ نهم، قارئ دودة لا يتوقف عن القراءة، محاطًا بمجموعة من الكتب التي لم أنتهِ منها بعد؟ لا شيء يمكن أن يوقفه عن القراءة، بل إن إيقافه عن شراء الكتب سيكون أكبر تحدٍ في حياته. أم أنني ذلك القارئ المثقف الذي يناقش أفكار الفلاسفة أثناء تناول فنجان القهوة في مقهى راقٍ؟ قارئ حكيم يتأنى في القراءة ويستخرج الأفكار الغائبة بين السطور. ينتقي كتبه بعناية، ويبدو دائمًا كأنه يمتلك بصيرة عميقة تتجاوز حدود الكتابة. أو ربما قارئ كسلان، يسير في رحلته الأدبية ببطء شديد، بل بكسل ملحوظ! قد يستغرق شهورًا لإنهاء كتاب واحد، وكأنه يحاول أن يستمتع بكل حرف، حتى لو كان في اليوم الواحد لا يقرأ سوى صفحة أو اثنتين. أو قارئ موسمي بامتياز، يتنقل بين فصول السنة ليحظى برفاهية القراءة الحقيقية. في الشتاء فقط، وبينما يتساقط المطر في الخارج، يجد نفسه في أحضان غطاءه الصوفي وكوب من الشاي الساخن، يلتهم الصفحات ببطء وهو ينعم بالدفء. أما في الصيف، الكتاب ليس أولوية، وربما يتصفح بعض الصفحات فقط ليشعر بحنينه للفصول الباردة. وأنت، يا قارئ هذه السطور، هل فكرت يومًا: هل أنا قارئ مستمتع أم مجرد متصفح؟ هل أقرأ الكتب لأنها تهز أفكاري، أم أنني أبحث عن شيء أضعه على الرف ليبدو مثل الشخص الذي قرأ؟ قد يكون هذا هو السؤال الأكثر أهمية في العصر الرقمي، حيث يُعتبر التصفح أهم من القراءة العميقة، ويُحتسب عدد الصفحات أكثر من عمق الفكرة. فاختيارك للكتاب قد يكشف عن الكثير، لكنه لا يعطيك بالضرورة صورة عن نوع القارئ الذي أنت عليه. ربما أنت ذلك القارئ الذي يبحث عن مغامرة بين الأسطر، أو القارئ الذي يظن أن الأدب هو مجرد محاولة لتغيير صورة الذات. في النهاية، “أي قارئ أنت؟” ليس مجرد سؤال، بل هو استفتاء لروحك بين صفحات الكتب وأنت تسير على درب فكري مليء بالحبر والخيال.